للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يحتمل أن الشهادة تنفع، فمن لم يشهدوا له في الدنيا، وكان في نفسه لم يظهر للناس منه إلا الخير، فيحتاج في الآخرة إلى أن يسأله الله عز وجل، كما في حديث ابن عمر المتقدم، ثم يقول له: "إني سترت عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم"، ومن شهدوا له لم يحتج إلى هذا السؤال والعلم عند الله عز وجل.

وقد يقال: إن قول عمر: "ثم لم نسأله عن الواحد" يشعر بأنّه لم يفهم من الحديث أن الواحد لا يكفي.

وأقول: إذا صح أن في الحديث إشارة إلى ذلك لم يضرها أن يتردد فيها الصحابي، لكن لقائل أن يقول: فسلمنا إشارة ما إلى أنه لا يكفي ثناء الواحد على الميت في الحكم له بالجنة، ولكن لا يلزم من هذا عدم الاكتفاء بتعديل الواحد للشاهد والمخبر، فإن الحكم للميت بالجنة لا ضرورة إليه ولا كبير حاجة. فإذا كان من أهل الجنة ولم يحكم له [الناس بأنه من أهلها] (١) لم يترتب على ذلك مفسدة بخلاف الشهادات والأخبار؛ فإن الضرورة فيها قائمة، وفي رد شهادة العدل وخبر الصادق ما لا يخفى من المفاسد، فتأمل.

ومن النصوص ما وقع في قضية الإفك من سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- أسامة عن عائشة، فأخبر أنه لا يعلم إلا خيرًا، وكذلك سأل بريرة وسأل أيضًا زينب بنت جحش وكلتاهما أثنت خيرًا، وبنى النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك قوله على المنبر: "من يعذرني في رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا".

وفي الاحتجاج بهذا نظر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان هو نفسه خبيرًا بعائشة، وإنما استظهر بسؤال غيره؛ لئلا يقول المنافقون: إن محبته إياها (والعياذ بالله) ... (٢).

وهذا -والله أعلم- من الحكمة في تأخير الله عز وجل إنزال براءتها.


(١) في التعليق على المطبوع: "في الأصل كلام مطموس والذي كتب فهم من سياق الكلام".
(٢) في التعليق على المطبوع: "هكذا وضع المؤلف النقط لبشاعة العبارة".

<<  <  ج: ص:  >  >>