وقال البخاري في "الصحيح": "باب إذا زكى رجل رجلًا كفاه"، وقال أبو جميلة: وجدت منبوذا فلما رآني عمر قال: "عسى الغوير أبؤسًا" كأنه يتهمني، قال عريفي: إنه رجل صالح قال: كذلك، اذهب وعلينا نفقته.
وهذا الأثر أخرجه مالك في "الموطأ"، وفيه بعد قوله "كذلك": "قال: نعم. فقال عمر: اذهب فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته".
والحجة فيه أن عمر قَبِلَ تعديل التعريف وَحْدَهُ، وبنى على ذلك تصديق أبي جميلة في أن ذلك الطفل كان منبوذًا، وأقره في يده، ولا يُقر اللقيط إلا في يد عدل، وحكم له بولائه، وأنفق عليه من بيت المال.
وقد أجيب على هذا بأنه مذهب لعمر مع أن أبا جميلة إما صحابي وإما من كبار التابعين، فلا يلزم من الاكتفاء في تعديله بواحد أن يكتفى بذلك فيمن بعد ذلك.
وهذا الجواب ضعيف، والظاهر أن هذا مذهب عمر، فإن لم يكن في النصوص ما يخالفه ولا نقل عن الصحابة ما يخالفه صح التمسك به.
ثم ذكر البخاري في الباب حديث أبي بكرة:"أثنى رجل على رجل عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ويلك قطعت عنق صاحبك، مرارا"، ثم قال:"من كان منكم مادحًا أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلانا، والله حسيبه؛ ولا أزكي على الله أحدا، أحسبه كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه".
قال ابن حجر في "الفتح": "ووجه احتجاجه بحديث أبي بكرة أنه -صلى الله عليه وسلم- اعتبر تزكية الرجل إذا اقتصد؛ لأنه لم يعب عليه إلا الإسراف والتغالي في المدح. واعترضه ابن المنير بأن هذا القدر كاف في قبول تزكيته، وأما اعتبار النصاب فمسكوت عنه. وجوابه أن البخاري يجري على قاعدته بأن النصاب لو كان شرطا لذكر؛ إذ لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة".