للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى فرض صحته فهذا الرجل كان خطب تلك المرأة في الشرك فردوه، فلما أسلم أهلها سوَّلت له نفسه أن يظهر الإسلام ويأتيهم بتلك الكذبة لعله يتمكن من الخلوة بها ثم يفرّ، إذْ لا يعقل أن يريد البقاء وهو يعلم أنه ليس بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- سوى ميلين، فأنكر أهلها أن يقع مثل ذلك عن أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرأوا أن ينُزلوا الرجل محترسين منه، ويرسلوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يخبرونه. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا أراك تجده" ظن منه أن عقوبة الله عز وجل ستعاجل الرجل، وكذلك كان كما في الطرق الأخرى، وجده الرسول قد مات، وفي رواية: "خرج ليبول فلدغته حية فهلك".

وحدوث مثل هذا لا يصلح للتشكيك في صدق بعض من صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- غير متهم بالنفاق ثم استمر على الإسلام بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، يراجع (ص ١٩٣) فما بعدها (١).

وتعجيل العقوبة القدرية لذلك الرجل يمنع غيره من أن تحدثه نفسه بكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته، وكذا من باب أولى بعد وفاته؛ فإن العقوبة القدرية لم تمهل ذاك مع أنه كان بصدد أن تناله العقوبة الشرعية، ولا يترتب على كذبه المفاسد.

هذا ومن الحكمة في اختصاص الله تعالى أصحاب رسوله بالحفظ من الكذب عليه أنه سبحانه كره أن يكونوا هدفا لطعن مَنْ بعدهم؛ لأنه ذريعة إلى الطعن في الإسلام جملة، وليس هناك سبب مقبول للطعن إلا أن يقال: نحن مضطرون إلى


= أقول: نعم، طريق أحمد ما بها بأس؛ لأنها لا تشتمل على القصة محل النظر، وقد سبق بيان مخالفة عثمان بن المغيرة لثابت بن أبي صفية الثمالي في ذلك.
وأما حديث بريدة فإسناده ضعيف من أجل صالح بن حيان, فأين الحُسْنُ المذكور، بل الصواب ما قاله الذهبي أن الحديث منكر، ورَدَّ بذلك على شيخ الإسلام ابن تيمية؛ إذ صحح الحديث في "الصارم المسلول" (ص ١٦٩ - ١٧٠) وقد ذكر طرق هذه القصة على أنها السبب في حديث: "من كذب علي متعمدا ... " ابن الجوزي في "الموضوعات" (١/ ٥٠) وعنه "البدر المنير" (٩/ ٢٠٥ - ٢٠٩).
(١) سبق نقل هذا الموضع قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>