الثاني: التشنيع على أئمة السنة بأنهم يروون الأباطيل.
والشيعي الذي لا يؤمن أن يكذب في فضائل أهل البيت لا يؤمن أن يكذب في فضائل الصحابة على سبيل التقية، أو ليري الناس أنه غير متشدد في مذهبه، يمهد بذلك ليُقبل منه ما يرويه مما يوافق مذهبه.
وعلى كل حال فابن قتيبة على فضله ليس هذا فَنَّه، ولذلك لم يعرج أحد من أئمة الأصول والمصطلح على حكاية قوله ذلك فيما أعلم. والله الموفق.
وفي "فتح المغيث"(ص ١٤٠) عن ابن دقيق العيد: "إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه إخمادًا لبدعته وإطفاءً لِنَارِه، وإن لم يوافقه أحد. ولم يوجد ذلك الحديث إِلَّا عنده مع ما وصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالتدين وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته فينبغي أن تقدّم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء ناره".
ويظهر أن تقييده بقوله:"وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته" إنما مغزاه أنه إذا كان فيه تقوية لبدعته لم تكن هناك مصلحة في نشره بل المصلحة في عدم روايته كما مَرَّ، ويتأكد ذلك هنا بأن الفرض أنه تفرد به، وذلك يدعو إلى التثبت فيه، وإذا كان كلام ابن دقيق العيد محتملًا لهذا المعنى احتمالًا، ظاهرًا فلا يسوغ حمله على مقالة ابن قتيبة التي مَرَّ ما فيها.
وقال ابن حجر في "النخبة وشرحها":
"الأكثر على قبول غير الداعية إِلَّا أن يروي ما يقوي مذهبه فَيُرَدُّ على المذهب المختار، وبه صرح الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ أبي داود والنسائي ... وما قاله متجه؛ لأن العلّة التي لها رُدَّ حديثُ الداعية واردةٌ فيما إذا كان ظاهر المروي يوافق مذهب المبتدع ولو لم يكن داعية. والله أعلم".