للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: الضمير في قوله "فَيُرَدُّ" يعود فيما يظهر على المبتدع غير الداعية، أَوْقَعَ الرَّدَّ على الراوي في مقابل إطلاق القبول عليه، وقد قال قبل ذلك: "والتحقيق أنه لا يُرَدُّ كل مكفر ببدعة" والمراد بردّ الراوي ردّ مروياته كلها.

وقد يقال: يحتمل عود الضمير على المروي المقوي لمذهبه، وعلى هذا فقد يفهم منه أنه يقبل منه ما عداه، وقد يُشعر بهذا استناد ابن حجر إلى قول الجوزجاني فأقول:

إن كان معنى الردّ على هذا المعنى الثاني ترك رواية ذاك الحديث للمصلحة وإن كان محكومًا بصحته، فهذا هو المعنى الذي تقدم أن به تستقيم عبارة الجوزجاني.

وإن كان معناه ردّ ذاك الحديث اتهامًا لصاحبه ويردّ معه سائر رواياته، فهذا موافق للمعنى الأول، ولا تظهر موافقته لعبارة الجوزجاني.

كان كان معناه ردّ ذلك الحديث اتهامًا لراويه فيه ومع ذلك يبقى مقبولًا، فيما عداه فليست عبارة الجوزجاني بصريحة في هذا، ولا ظاهرة فيه كما مَرَّ وإنما هو قول ابن قتيبة.

وسياق كلام ابن حجر ما عدا استناده إلى قول الجوزجاني يدل على أن مقصوده ردّ الراوي مطلقًا أو ردّ ذاك الحديث وسائر روايات راويه وذلك لأمور، منها:

أن ابن حجر صرح بأن العلة التي ردّ بها حديث الداعية واردة في هذا، وقد قَدَّم أن العلة في الداعية هي: "أن تزيين بدعته قد يحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه".

ومن كانت هذه حاله فلم تثبت عدالته كما تقدّم فيردّ مطلقًا.

ومنها: أن هذه العلة اقتضت في الداعية الردّ مطلقًا فكذلك هنا، بل قد يقال على مقتضى كلام ابن حجر: هذا أَوْلَى؛ لأن الداعية يردّ مطلقًا وإن لم يرو ما يوافق بدعته، وهذا قد رَوى.

هذا وقد وثق أئمة الحديث جماعة من المبتدعة واحتجوا بأحاديثهم وأخرجوها في الصحاح، ومن تتبع رواياتهم وَجَدَ فيها كثيرًا مما يوافق ظاهره بدعهم، وأهل

<<  <  ج: ص:  >  >>