فلان التاجر بها أن سائلًا سأله فرد عليه بكذا، فالذي يتبادر إلى الأذهان أنه لقي أولئك الأفراد، وسمع منهم، مع أنه لو لم يخبرنا بذلك، لم يترجح لنا ألقيهم أم لا؟
فتبين أن التبادر إنما جاء من الرواية، فثبت أن الأصل في الرواية أن تكون عما شاهده الراوي وأدركه.
(٢) لعل اصطلاح المحدثين كان على خلاف ذلك، كما يدل عليه ذهاب ابن المديني والبخاري ومن تبعهما إلى ما ذهبوا إليه.
(١) قد أسلفنا أن مجرد ذهابهما إلى ذلك القول لا يصح نقضًا لما نقله مسلم من إجماع السلف، وهو يدل أبلغ دلالة أن اصطلاحهم كان موافقًا للأصل، بل هناك من القرائن ما يدل على شدة محافظتهم على الأصل أشد من محافظة غيرهم، وذلك مزيد احتياطهم وتثبتهم وجريان عادتهم بالإسناد، والتحفظ من نقد النقاد، وغير ذلك، على أننا لو تنازلنا عن دعوى الإجماع بقيت الأغلبية، وهي كافية في إثبات المطلوب.
مع أن موافقة البخاري وشيخه على حمل عنعنة من ثبت لقاؤه على السماع يدل على ما ذكرنا، وإلا لكانت الحجة عندهما هي مجرد اللقاء، فيلزمهما أن كل من لقي شيخًا ثبت سماعه لكل حديثه، وهذا كما ترى، وإنما رأيا أن دلالة الرواية بدون ثبوت اللقاء لا تخلو عن ضعف، فاشترطا تقويتها بثبوت اللقاء، ونحن نسلم أن الرواية مع ثبوت اللقاء أقوى منها بدونه غالبًا، ولكن هذا لا يقتضي عدم حجيتها إذا كانت في نفسها دلالة ظاهرة محصلة للظن، على أنه يُعلم مما قدمناه أن القرائن قد تتظافر على إثبات اللقاء حتى تكاد تقطع به وإن لم ينقل صريحًا.
(٢) لنا: شيوع الإرسال في السلف؛ فإنه دليل على أن اصطلاحهم على خلاف الأصل الذي قدمتم.