هذا مما وقفت عليه بشأن ذلك الخلاف، وكلامِ بعض الحفاظ عليه، ولست بصدد النظر في الراجح من ذلك، ولكن الشأن الآن هو تقرير أن البخاري حكم فيما رواه عنه الترمذي في كتاب "العلل" بأن طريق عبد الرحمن بن عبد الله هذا محفوظ، وليس بمنكر أو خطأ، وليس هذا من قبيل الحكم على ذلك الإسناد بالصحة المشتملة على جميع مفردات الشروط المعتبرة المعروفة.
ولو كان مقتضى جواب البخاري على ما يفهمه كثير من المتأخرين في معنى المحفوظ في مثل هذا الموطن: أنه حكم على الإسناد بالصحة والقبول مطلقا، لما احتاج الترمذي إلى السؤال عن إدراك عطاء بن يسار لأبي واقد الليثي؛ لأنه حينئذٍ يكون البخاري قد أجاب ضمنا عمَّا هو أبعد من الإدراك وهو السماع، هذه واحدة.
الثانية: أن سؤال الترمذي عن الإدراك وليس السماع يشير إلى أن الإدراك كان عنده فيه بُعْدٌ أو غموض، ولذا فقد دفع البخاري عنه هذا الإشكال بأن الإدراك ليس بخافٍ؛ إذ كان عطاء قديما، وهو استدلال تاريخي بَحْت، ولم يتعرض البخاري لقضية السماع.
لكنَّ العوني قد رَكَّبَ من مجموع أمرين:
الأول: حُكْم البخاري على هذه الرواية بأنها محفوظة، ومقتضى ذلك عند العوني تصحيحها.
الثاني: إخباره بإدراك عطاء بن يسار لأبي واقد الليثي.
فَبَنَى الباحثُ على تصحيح البخاري لروايةٍ لم يزد فيها على الإخبار بإدراك بعض رواتها لبعض: أن البخاري يكتفي بالمعاصرة.
وهذا تركيبٌ وبناءٌ مغلوطٌ، ومجازفة، على ما بينا مقصودَ البخاري بكل من الأمرين فيما سبق، والله تعالى الموفق.