٢ - قال البخاري في "الأوسط": حدثني عبدة قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني، قال: سمعت يوسف بن عبد الله بن الحارث: كنت عند الأحنف بن قيس، وهو يوسف ابن أخت محمد بن سيرين.
وعبد الله أبو الوليد -وهو ابن الحارث والد يوسف- روى عن عائشة وأبي هريرة ولا نُنكر أن يكون سمع منهما؛ لأن بين موت عائشة والأحنف قريب من اثنتي عشرة سنة. اهـ.
أقول:
هذه قرينة تاريخية على عدم إنكار السماع لأجل احتمال سن الراوي للسماع من شيخه، لكن لم يجعل البخاري تلك القرينة- وهي الإدراك أو المعاصرة- قاضيةً بثبوت السماع، وعدمُ إنكار السماع لا يستلزم ثبوته.
بيان ذلك أن إنكار السماع يحتاج إلى دليل خاص؛ كعدم الإدراك، وهذا يثبت بالتاريخ، أو استحالة اللقاء؛ كتباعد البلدان مع عدم هجرة أحد الراويين إلى بلد الآخر، أو تصريح خاص بعدم السماع ممن تقوم الحجة بنفيه في ذلك، فإذا لم يوجد شيء من هذا ونحوه، لم يَسُغْ للناقد إنكارَ السماع أو نفيه، ولكنه أيضا يتوقف في إثباته حتى تتوفر الشرائط المعتبرة عنده في ذلك.
ص (١٣٤ - ١٣٩):
الدليل الثالث عشر: اكتفاءُ جمعٍ من الأئمة بالمعاصرة.
الجواب عن ذلك بإجمالٍ أُلَخِّصُه في النقاط التالية:
الأولى: عدم إنكار السماع، أو إثبات احتمال اللقاء بالنظر في سن الراوي وشيخه، أو مقارنة سن بعض من ثبت لقاء الراوي لهم بمن هو محل البحث في لقائه وسماعه منه، فهذا مما تختلف فيه أنظار الأئمة النقاد، وتتباين فيه اجتهاداتهم، ويتبادلون احتمال اللقاء ونفيه، وكذا السماع في أحوال متشابهة للرواة، ولكل مقام مقال.