الأبحاث الاصطلاحية النظرية متى كانت نتيجتها شاذَّةً عن غالب تصرفات أهل الاصطلاح، فإن تلك الأبحاث تنادي على نفسها حينئذٍ بالشذوذ والهجران.
والعبرة ليست بالمسميات أو الإطلاقات، وإنما بحقائق الأمور.
وهاهنا سؤال يفرض نفسه ويتعين الجواب عنه:
ما هو الشرط الذي نعاه مسلم على مخالفه في قضية الإسناد المعنعن؟
الجواب: أنه شرط اللقاء ولو مرة، والمخالف يتفق مع مسلم في ألا يكون الراوي مدلسًا، ومع ذلك زاد هذا الشرط، فلو كان اشتراط انتفاء التدليس كافٍ في التحرز عن رواية الراوي عمن لم يلقه لما كان لهذا الاشتراط معنى؛ لأن التدليس حينئذٍ يشمله.
لكن لمَّا كان التدليس يُستعمل في غالب اصطلاح أهل العلم على رواية الراوي عمن سمع ما لم يسمع -ولا يمتنع إطلاق البعض أحيانا وصف التدليس على غير ذلك- احتاج المخالف إلى التحرز عن روايته عمن لم يلقه، فاشترط اللقاء ولو مرة.
ولو كان مسلم: يرى أن تلك الصورة داخلة في حَدِّ التدليس، لكفاه أن يرد على المخالف بقوله: قد اشترطت ألا يكون الراوي مدلسًا، وبالتالي فلن يروي عمن عاصره ولم يلقه، ولكنه لم يفعل، وكان هو الأَولى بذلك الجواب من العوني.