وقال التاج السبكي: إنما المحدث من عَرف الأسانيد والعلل وأسماء الرجال ...
وذكر عن المزي أنه سئل عمن يستحق اسم الحافظ، فقال: أقل ما يكون أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم ليكون الحكم للغالب.
فكان العالم يعرف أحوال من أدركهم، إما باختباره لأحوالهم بنفسه، وإما بإخبار الثقات له، ويعلم أحوال من تقدمه بإخبار الثقات، أو بإخبار الثقات عن الثقات .... وهكذا، ويحفظ ذلك كله، كما يحفظ الحديث بأسانيده، حتى كان منهم من يحفظ الألوف، ومنهم من يحفظ عشرات الألوف، ومنهم من يحفظ مئات الألوف بأسانيدها.
فكذلك كانوا يحفظون تراجم الرواة بأسانيدها، فيقول أحدهم: أخبرني فلان، أنه سمع فلانا، قال: قال فلان: لا تكتبوا عن فلان، فإنه كذاب ... وهكذا ..
تدوين العلم وحظ علم الرجال منه:
ذكروا أن تدوين العلم في الكتب في العهد الإسلامي شُرع فيه حوالي نصف القرن الثاني، فألف ابن جريج (٨٠ - ١٥٠) وابن أبي عروبة (؟ - ١٥٦)، والربيع بن صبيح (؟ - ١٦٠).
ويَتوهم بعض الناس أنه قبل ذلك لم يكن عند أحد من المسلمين كتاب ما يتضمن علما غير كتاب الله عز وجل!، وهذا خطأ، فقد كان عند جماعة من الصحابة صحائف، في كل منها طائفة من الأحاديث النبوية، منها صحيفة كانت عند أمير المؤمنين علي عليه السلام ذكرها البخاري وغيره، وجمع ابن حجر في "فتح الباري" قطعا منها.
وكان عند عمرو بن حزم كتاب كتبه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل اليمن، فيه أحكام كثيرة.
وكان عند أنس كتاب في أحكام الزكاة، كتبه أبو بكر الصديق، قال في أوله: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين.