فذكر ذلك لابن معين، فقال:"قل له: يا عدو الله ... إنما كتبت عن أبي معاوية ببغداد، ولم يحدث أبو معاوية هذا الحديث ببغداد".
وروى اللفظ الثاني: محمد بن عمر بن الرومي، عن شريك. وابن الرومي، ضعفه أبو زرعة، وأبو داود، وقال أبو حاتم:"صدوق قديم روى عن شريك حديثًا منكرًا" يعني هذا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر في التقريب:"لين الحديث" ووهم من زعم أن الشيخين أخرجا له أو أحدهما، وأخرجه الترمذي من طريقه، ثم قال:"غريب منكر"، ثم قال: وروى بعضهم هذا الحديث عن شريك، ولم يذكروا فيه "الصنابحي".
فزعم العلائي أن هذا ينفي تفرد ابن الرومي، ولا يخفى أن كلمة "بعضهم" تصدق بمن لا يعتد بمتابعة، ولم يذكر في اللآلىء أحدًا رواه عن شريك غير ابن الرومي إلا عبد الحميد بن بحر، وهو هالك يسرق الحديث، فالحق أن الخبر غير ثابت عن شريك.
المقام الثاني: على فرض أن أبا معاوية حدث بذاك، وشريكًا حدث بهذا، فإنما جاء ذاك عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد" وجاء هذا عن "شريك عن سلمة بن كهيل" وأبو معاوية، والأعمش، وشريك، كلهم مدلسون متشيعون، ويزيد شريك بأنه يكثر منه الخطأ.
فإن قيل: إنما ذُكروا في الطبقة الثانية من طبقات المدلسين، وهي طبقة من "احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في الصحيح".
قلت: ليس معنى هذا أن المذكورين في الطبقة الثانية تقبل عنعنتهم مطلقًا، كمن ليس بمدلس البتة، إنما المعنى أن الشيخين انتقيا في المتابعات ونحوها من معنعناتهم، ما غلب على ظنهما أنه سماع، أو أن الساقط منه ثقة، أو كان ثابتًا من طريق أخرى، ونحو ذلك، كشأنهما فيمن أخرجا له ممن فيه ضعف.