للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . .


= أقول: رواية هؤلاء الكبار عنه إنما هي لحديثه عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوضوء من مسِّ الذكر، وليس له في الكتب الستة غيره، رواه أبو داود وابن ماجه من رواية مسدد ووكيع عنه.
قال ابن عديّ: "هذا يعرف بمحمد بن جابر، عن قيس بن طلق. ولشهرته رواه عنه السختياني، وابن عون، وشعبة، .. وكل هؤلاء الذين رُوي عنهم، منهم من هو أكبر سنًّا منه، وأقدم موتًا منه، ومنهم من هو في عصره روى عنه، وهم اثنا عشر نفسًا؛ لأن الحديث لا يُعرف إلا به.
وقد رَوى هذا الحديث عن قيس بن طلق غيرُ محمد بن جابر إلا أنه معروف به .. " اهـ
أقول: فقد بيَّن ابن عديّ العلَّة التي لأجلها روى هؤلاء الكبار ذاك الحديث عن محمد بن جابر، ألا وهي اشتهاره به، وأنه عُرف من طريقه، وهذا لا يكفي في الدلالة على حال ابن جابر عند هؤلاء؛ فإن روايتهم عنه ليست بمستفيضة بحيث يقال إنها مما تقويه، وإنما هي لعزَّة هذا الحديث وضيق مخرجه، ثم إن ابن جابر في نفسه لم يكن بالساقط ولا بالمتهم، وإنما كان محلَّه الصدق، إلا أن في حديثه تخاليط، وأما كتبه فكانت صحاحًا، حتى عمي فأُلحق فيها أشياء، نَبَّه عليها غير واحد من أهل العلم، ثم ذهبت كتبمع فخلَّط، وصار يُلَقَّن، فَتُرك، وكان ابن مهدي وغيره يحدثون عنه، ثم تركوه لأجل هذا، فالذي ينبغي أن تحمل عليه رواية من روى عنه من الأكابر هو أن يكون ذلك قبل أن يطرأ عليه ما طرأ، حيث كان ممن يكتب حديثه، أما بعد ذلك فقد اجتمعت كلمتهم على طرحه، كما قال أبو زرعة: ساقط الحديث عند أهل العلم. وقال البخاري: يتكلمون فيه، وفي رواية الترمذي، عنه: ذاهب الحديث، وهما من أشد الصيغ عند البخاري، كما هو معلوم.
فبعد هذا، يصير تَصَوُّرُ أن يكون معنى عبارة: لا يحدث عنه إلا من هو شرٌّ منه، على معنى الإطراء تصوُّرًا بعيدًا، وإنما بالغ ابن معين في ذم ابن جابر، بذم من يروي عنه -والظاهر أن ذلك بعد أن ظهر من ابن جابر ما ظهر من التخليط وقبول التلقين ونحو ذلك-، ولاسيما وابن معين كان لا يرى الكتابة عنه أصلًا، كما سبق من رواية ابن طهمان عنه، فكيف بالرواية؟ فقول القائل: لا يحدث عنه إلا من هو شر منه، مبالغة في التحذير من التحديث عنه لتخليطه وسوء حفظه ولما كان يُلْحَق في كتبه وغير ذلك، مما أسقطه عند ابن معين وغيره.
على أن الأئمة قد يختلفون في أحكامهم على الرجال، فكما يوثق بعضهم الرجلَ، ويضعفه آخرون، فكذلك يرى بعضهم جواز الرواية عن رجل، ويمنع منه آخرون، فرواية بعض الأئمة عن ابن جابر، لا تصلح أن يُفَسَّر على ضوءها قول ابن معين المشار إليه، خشية أن يقتضي ظاهرها تفضيل ابن جابر عليهم؛ إذ لا ينبغي أن يُلزم ابن معين بصنيع غيره من الأئمة، للسبب الذي قدمنا.
هذا على افتراض أن هناك ثمة تعارض بين قول ابن معين وصنيع هؤلاء الكبار الذين رووا عنه، ولكن الصواب أنه لا تعارض كما سبق بيان ذلك؛ والله تعالى الموفق.

<<  <  ج: ص:  >  >>