وفي "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص ٤٦): "قال ابن القشيري: والذي صح عن الشافعي أنه قال: في الناس من يمحض الطاعة فلا يمزجها بمعصية، وفي المسلمن من يمحض المعصية ولا يمزجها بالطاعة, فلا سبيل إلى ردِّ الكُلِّ، ولا إلى قبول الكُلِّ، فإن كان الأغلب على الرجل من أمره الطاعة والمروءة قبلت شهادته وروايته، فإن كان الأغلب المعصية وخلاف المروءة رددتها".
وفيه من جملة كلام عن الرازي:"والضابط فيه أن كل ما لا يؤمن من جراءته على الكذب تردُّ الرواية، وما لا فلا".
وفيه قال الجويني:"الثقة هي المعتمد عليها في الخبر، فمتى حصلت الثقة بالخبر قُبل".
أقول: وهذا هو المعقول، وعليه عمل الأئمة الفحول؛ فإن الحكمة في اشتراط العدالة في الرواي هي كونها مانعة له عن الكذب، فيقوى الظن بصدقه، فإذا جرت منه هفوة لا تخدش قوة الظن بصدقه، لم تخدش في قبول روايته (١).
والحاصل أن تلك الكلمة التي سبقت على لسان أبي الزبير بدون شعوره لشدة غضبه، لا ينبغي أن يهدر بها مئات الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مع التحقق بكمال صدقه وحفظه وضبطه وتحريه وإتقانه.
٦ - والظاهر من حاله، وما ثبت لدى جمهور الأئمة من عدالته، أنه تاب عنها في الوقت، وإن كانت إنما جرت على لسانه بدون شعور.
(١) زيد هنا في النسخة "س" من الكتاب -والتي هي أصل المطبوع باسم "البناء على القبور"- قول المعلمي: "ومن هنا رجح الأئمة رواية الخوارج على رواية الشيعة؛ لأن الخوارج يعتقدون أن مطلق الكذب كفر، فضلا عن الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ أما الشيعة فيتدينون بالكذب: "التقية" حتى جوزوها من النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل على الله سبحانه. لتأويلهم الآيات الواردة في مدح بعض الصحابة على خلاف ظاهرها، قائلين: إنما جعل الله تعالى ظاهرها الثناء استدراجًا لأولئك القوم ليقوموا بنصر الدين، ويكفوا ضررهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته".