وقد زاد ابن معين حكمًا عامًا على الحديث بقوله: "ليس له أصل". وعبَّر عنه سائله: محمد ابن على بن حمزة المروزي بأنه "باطل". ومعنى هذه العبارات عند أهل الفن أن الحديث لا يصح بحال، وليس له إسناد قائم، ومفهومها أن كل اسناد جاء له إنما هو خطأ. وأحيانًا يطلقون هذه العبارة "ليس له أصل" ويُعنون: مِنْ حديث فلان، وقد يكون الحديث محفوظًا من حديث غيره. لكنَّ حديثنا إنما يروى من طريق عيسى بن يونس، فإذا قيل: "ليس له أصل" أو "باطل" كان المراد بطلانه من كل وجهٍ عن عيسى. يوضح ذلك قول الحافظ عبد الغني بن سعيد: "كل مَنْ حدَّث به عن عيسى بن يونس غير نعيم ابن حماد فإنما أخذه من نعيم". وقد عَبَّر ابن عدي عن هذا الأَخْذِ بالسرقة كما مَرَّ. فإذا كان هذا هو قول هؤلاء الحفاظ النقاد، ولم يُؤْثَرْ عن أحدٍ سواهم قولٌ غيره وكان مردُّ مثل هذا إلى حكمهم ونقدهم، فلا يُفرح برواية العدد الكثير -ممن لا تقوم بروايتهم الحجة- لأن تتابع أمثال هؤلاء على مثل هذا مما له نظائر معروفة في كتب الفن، والنقاد لا يغرُّهم كثرة عدد الناقلين, إذا ثبت الخطأ والوهم، ولهم في ذلك تعليلات دقيقة، قد تبيَّنَ منها في حديثنا هذا مثالٌ من قول دحيم، قد شرحناه آنفًا، والله تعالى الموفق. (١) راجع ترجمة سويد من هذا الكتاب. (٢) قال ابن عدي في ترجمة سويد (٣/ ١٢٦٤): سمعت جعفرًا الفريابي يقول: أفادني أبو بكر الأَعْيَن في قطيعة الربيع سنة إحدى وثلاثين -يعني ومائتين- بحضرة أبي زرعة وجمع كبير من رؤساء أصحاب الحديث حين أردت أن أخرج إلى سويد وقال: وَقِّفْهُ وثَبِّتْ منه: هل سمع هذا الحديث من عيسى بن يونس؟ فقدمت على سويد فسألته، فقال: حدثنا عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان .. قال الفريابي: وَقَّفْتُ سويدًا عليه بعد أن حدثني به ودار بيني وبينه كلام كثير. =