مجاعة شديدة فى شبه الجزيرة العربية لقلة الأمطار، فكان يجلب
إليهم الأقوات من الأمصار، ويأكل مما يأكله الناس، حتى ساءت
صحته، فنصحه بعض أصحابه بأن يحسِّن من طعامه، ليقوى على
العمل وإنجاز مصالح المسلمين، لكنه أجاب بقوله: «كيف يعنينى
شأن الرعية إذا لم يصبنى ما أصابهم؟».
ولا شك أن ما عبر عنه الخليفة «عمر» هو مفتاح الحكم الصالح فى
كل عصر وزمان فيوم يحس الحاكم بإحساس شعبه فسوف يستقيم
الحكم، وينصلح حال الرعية، ويوم ينفصل الحاكم عن شعبه، وتكون
له حياته الخاصة، فحينئذٍ ينفتح باب الفساد.
وقد حرص «عمر» على أن يجعل من أبنائه وأهله قدوة كذلك،
فأخذهم بما أخذ به نفسه، لأنه الناس ينظرون إليهم، وكان يقول لهم
إذا عزم على أمر يهم المسلمين: «لقد عزمت على كذا وكذا، أو نهيت
الناس عن كذا وكذا، وأقسم بالله لو خالفنى أحد منكم لأضاعفن له
العقوبة».
بهذه الإجراءات حصن «عمر» نفسه وأولاده وكل من يلوذون به ضد
أية انحرافات أو إغراءات، فأطاعه المسلمون وأحبوه سواء أكانوا
أمراء أم من عامة الناس، ولم يعرف التاريخ رجلا بعد رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - و «أبى بكر الصديق» أطاعه كبار الأمراء
وصغارهم كما أطاعوا «عمر بن الخطاب»، لا لهيبته فى عيونهم
فحسب، بل للقدوة الحسنة فى حياته وانضباطه الشديد، ولهذا كله
احتل مكانة عالية فى التاريخ الإنسانى.
عدل عمر بن الخطاب:
لم ترتبط صفة من صفات «عمر» الكثيرة باسمه كما ارتبطت به صفة
العدل، فإذا ذُكر «عمر» ذكر الناس عدله، الذى كان لا يفرِّق بين
قريب وبعيد، أو كبير وصغير، أو صديق وعدو، والأخبار المتواترة
فى ذلك أكثر من أن تحصى، ولعل قصته مع «أبى مريم السلولى»
قاتل أخيه «زيد» فى معركة «اليمامة» أصدق مثال على تجرده فى
عدله، وعدم خلطه بين عواطفه ومسئولياته باعتباره حاكمًا يُجرى
العدل بين الناس.
فحين قابل «عمر» - وهو خليفة - قاتل أخيه بعد أن أسلم، قال له: