أأنت قاتل «زيد بن الخطاب»؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: والله
لا أحبك أبدًا، فقال «أبو مريم»: أو تمنعنى بذلك حقا لى، قال: لا.
قال: إذًا يا أمير المؤمنين إنما يأسى على الحب النساء. يريد أنه
مادام لا يظلمه الخليفة فلا يعنيه أحبه أم كرهه، لأن النساء هن اللائى
يأسفن على الحب.
ولا لوم على «عمر» فى التعبير عن عواطفه التى لا يملكها تجاه
قاتل أخيه، فقد ورد أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لوحشى
قاتل عمه «حمزة بن عبدالمطلب» حين رآه بعدما أسلم: «غيِّب وجهك
عنى يا وحشى لا أراك». ولكن للقصة دلالة على ضبط النفس والتجرد
المطلق لعمر ابن الخطاب، فلم يحمله غضبه من قاتل أخيه على ظلمه.
وامتد عدل «عمر» ليشمل كل من يعيش على أرض الإسلام، سواء
أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، فحين رأى يهوديا يتسول أحزنه
ذلك. وأخذ الرجل من يده، وأعطاه معونة عاجلة من بيت الدقيق (٨)،
وأمر له براتب دائم من بيت مال المسلمين.
إحساسه بالمسئولية:
بلغ من شدة إحساس «عمر» بالمسئولية أنه لم يكتفِ بأن يكون
مسئولا عن حياة البشر الذين يعيشون فى دولته، بل مسئولا عن
البهائم والدواب أيضًا. وذلك فى مقولته الشهيرة: «والله لو أن بغلة
عثرت بشط الفرات لكنت مسئولا عنها أمام الله، لماذا لم أعبد -
أسوى - لها الطريق».
وأعمال «عمر» العظيمة من الفتوحات واستكمال بناء الدولة
ومؤسساتها لم تشغله عن متابعة أحوال الناس وتفقدها؛ ليقف على
أوجه النقص ليتلافاها أولا بأول، فكان كثير الطواف ليلا بالمدينة،
وسمع ذات ليلة طفلا يبكى بكاء مستمرا، فسأل عن أمره، فعرف أن
أمه منعت عنه الرضاع، لأنه لا يُفرض عطاء من بيت المال إلا للأطفال
المفطومين، فانزعج «عمر»، وأصدر أوامره أن يفرض عطاء لكل
مولود فى الإسلام، ونادى مناديه: لا تعجلوا فطام أولادكم.
وحوادث «عمر» التى من هذا القبيل كثيرة، وقد يظنها بعض الناس