للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع ذلك فثمة مظاهر إسلامية أو عربية خالصة، تتجلى فى التشدد

والتمسك بمذهب «مالك»، وحرص الفقهاء على التقاليد وعزوفهم عن

مصاحبة السلطان وتولى الوظائف، مثلما كان الحال فى بلاد شمال

إفريقيا و «الأندلس». وقد تغلغل العلماء فى الحياة وتمتعوا بالزعامة

الدينية والشعبية؛ إذ صاروا لسان حال الشعب والمدافعين عنه أمام

ظلم الحكام وعنتهم، وهى الصورة نفسها التى نلحظها فى المغرب

الإسلامى وبلاد «الأندلس»؛ مما يدل على وحدة تلك المنطقة من

الناحية الدينية والثقافية، كذلك نشعر بتقدير سلاطين السودان لهؤلاء

الفقهاء واحترامهم لهم، حتى إن من يلجأ إلى ديارهم يأمن عقاب

السلطان ولايجرؤ أحد على التعرض له بسوء.

وقد سبقت الإشارة إلى مواظبة أهل «السودان الغربى» على

الصلوات والتزامهم بها فى الجماعات، وضربهم أولادهم إذا ما قصروا

فى أدائها أو فى حفظ القرآن، وازدحام المساجد بالمصلين حتى إنه

إذا لم يبكر المرء بالذهاب إلى المسجد لم يجد موضعًا، كما سبقت

الإشارة إلى كثرة عدد المساجد واعتناء السلاطين ببنائها وتعيين

الأئمة والخدم لها، وقد التزم الجميع بمذهب الإمام «مالك».

كما نلاحظ أن جميع الأسر الحاكمة فى «السودان الغربى» والأوسط

اصطنعت لنفسها نسبًا عربيا؛ فسلاطين «مالى» يدعون الانتساب

إلى «عبدالله بن صالح بن الحسن بن على»، وانتسب سلاطين «كانم

وبرنو» إلى «حِمْيَر»، واتخذ سلاطين «صنغى» مثل هذا النسب

العربى، بل وحرصوا على الحج والحصول على تقليد من الخليفة

العباسى بالحكم، كل ذلك ليكتسبوا صبغة إسلامية كاملة وليفوزوا

برضا الرعية، وليفسحوا لأنفسهم مجالا فى الحياة الإسلامية الدولية.

وقد حرص سلاطين «السودان الغربى» والأوسط وملوكهم ورعيتهم

على أن يقتبسوا من التقاليد الشائعة فى الحياة الإسلامية المعاصرة

لهم، فهم فى لباسهم يتشبهون بأهل «المغرب»، وتأثر كل من

«منسا موسى» و «أسكيا محمد الأول» اللذين زارا «مصر» بأساليب

<<  <  ج: ص:  >  >>