للتوغُّل فى وسط «السودان النيلى» وحتى حدود «الحبشة» الشمالية.
وقد أثَّرت أحداث العالم الإسلامى؛ وخاصة الصراع بين الأمويين
والعباسيين، وظهور العناصر الأخرى من الفرس وغيرهم على المسرح
السياسى واستبدادهم بالسلطة والنفوذ، فى هجرة الكثير من القبائل
العربية إلى الجنوب، وقد انتهزت تلك القبائل فرصة الحملة التى
أعدَّها «أحمد بن طولون» والى «مصر» إلى أرض «النوبة» و «البجة»
فاشترك فيها كثير من العرب وخاصة من «ربيعة» و «جهينة»؛ حيث
استقروا فى هذه المناطق ونشروا الإسلام واختلطوا بالنوبة
و «البجة».
وقد حرص رؤساء العرب على التزوُّج من بنات «البجة» و «النوبة»؛
مما أدَّى إلى انتقال الرئاسة إليهم وفقًا لنظام الوراثة عن طريق الأم،
وقد استطاعوا إقامة أول إمارة إسلامية عربية كان مقرُّها فى
«أسوان» فى عهد الفاطميين، وخلع الخليفة «الحاكم بأمر الله
الفاطمى» على أمير «ربيعة» لقب «كنز الدولة» فعرف «بنو ربيعة»
فى «أسوان» و «النوبة» ببنى كنز، واستطاع هؤلاء أن يصاهروا
البيت المالك النوبى فى «دنقلة»، وتبعًا لذلك انتقل الحكم هناك إلى
«بنى كنزة» وأعلنوا استقلالهم عن الدولة المملوكية فى «مصر»
سنة (٧٢٣هـ = ١٣٢٣م).
وبذلك ظهرت أول إمارة إسلامية فى بلاد «السودان الشرقى»،
وتدفقت موجات من العرب ولاسيما من عرب «جُهَينة» إلى داخل
«السودان» حتى بلاد «الحبشة» و «دارفور»، واستقر كثير منهم فى
أرض «مملكة علوة» المسيحية وأسَّسوا مدينة «أربجى» على
الشاطئ الغربى من النيل الأزرق عام (٨٧٩هـ = ١٤٧٤م) ومع توالى
الهجرات العربية إلى مملكة «علوة» وازدياد نفوذها، عمل ملوك
«علوة» على استمالتهم بالمصاهرة، فانتقل الحكم إلى «جهينة» عن
هذا الطريق، كما حدث فى مملكة «النوبة» من قبل، وخاصة بعد أن
تحالف هؤلاء العرب مع «الفونج» القادمين من الجنوب، وقضوا على
مملكة «علوة» نهائيا فى مستهل القرن السادس عشر الميلادى وبذلك