للسودان نشر الدعوة. وكان حجاج «السودان» يشجعون علماء
«الحجاز» على الرحلة إلى بلاد «الفونج»، كما أن كثيرًا من
السودانيين كانوا يتلقون العلم فى «مكة» و «المدينة». أما «المغرب»
فكان منبعًا آخر للثقافة الإسلامية. أما «مصر» فكانت علاقة
«السودان» بها فى ذلك الحين أقل من تلك التى كانت بينه وبين
«الحجاز» و «المغرب»، ومع ذلك تطلَّع ملوك «الفونج» إلى «الأزهر»
وعلمائه ورحبوا بهم، وكان بعض السودانيين يذهبون إلى «الأزهر»
ثم يعودون إلى بلادهم ناشرين الإسلام وثقافته.
وقد رحل أحدهم وهو الفقيه «محمد الجعلى» إلى منطقة جبال
«النوبا» التى تقع جنوب «كردفان» مع مجموعة من الفقهاء؛ للدعوة
إلى الإسلام فى أوائل القرن السادس عشر الميلادى واستطاع أن
يتزوَّج أميرة من البيت الحاكم هناك، فانتقل الحكم إلى ابنه المسمَّى
«قيلى أبو جريدة». وقد أسَّس هذا الابن أول أسرة إسلامية حاكمة
فى جبال «النوبا»، سنة (٩٢٦هـ = ١٥٢٠م) عرفت باسم مملكة
«تقلى»، وكان هو أول سلاطينها.
كذلك كان لسلطنة الفونج وعاصمتها اتصال بدارفور التى كانت
تستعين بفقهاء «سنار» فى نشر الدعوة، وكان للفونج اتصال أيضًا
بالباشا التركى فى موانئ «البحر الأحمر» فى «سواكن»
و «مصوع»؛ حيث كان له وكلاء فى «سنار» و «أريجى»، وكذلك
اتصلوا باليمن وغيره من الأمصار الإسلامية؛ مما يدل على عمق الروح
الإسلامية التى تغلغلت فى مملكة «الفونج».
وتظهر هذه الروح الإسلامية فى معاملتهم الحسنة لرجال العلم، وفى
احترامهم وإحاطتهم بالرعاية والتكريم، فرحل إليهم كثير من علماء
المناطق النائية، وعاشوا فى جوارهم، مما كان له أثر كبير على
مسيرة الإسلام فى هذه السلطنة.