للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذى دأبت عليه القبائل العربية التى سكنت «دارفور»، وهو أمر

لايؤدى إلى ازدهار العلم الذى يحتاج إلى الاستقرار، ويعود أيضًا

إلى قلة عدد العلماء الذين رحلوا إلى هذا الإقليم، ربما بسبب بعده

عن مراكز الثقافة الإسلامية الزاهرة فى «بغداد» و «دمشق»

و «القاهرة».

أما معاهد التعليم فى «السودان» فى ذلك العصر فهى: المسجد،

والزاوية، والخلوة. والخلوة أو الكُتاب أو المكتب من أقدم هذه

الأماكن وهى منتشرة فى جميع القرى، وعرفها أهل «السودان»

على بداية عهد «الفونج» على يد الشيخ «محمود العركى»، الذى

قدم من «مصر» عام (٩٢٦هـ = ١٥٢٠م)، وأسس خمس عشرة خلوة فى

«سنار» وعلى «النيل الأبيض» وكان يُدرَّس فيها القرآن ويتعلم فيها

الأطفال القراءة والكتابة ومبادئ الحساب فيما يمكن أن نطلق عليه

المرحلة الأولية أو الابتدائية.

وفى المساجد كان الطلاب يدرسون فيما يشبه المرحلة الثانوية أو

العليا، وفيها كانوا يدرسون العلوم الدينية وعلوم العربية والتاريخ؛

حيث يلتف الطلاب حول شيوخهم فى حلقات دراسية.

أما الزاوية فهى تتميز عن الخلوة والمسجد بأنها تجمع بين السكنى

والعبادة والدرس، ففيها ينقطع الطلاب للدرس والعبادة، وهى غالبًا

للصوفية، وكانت فى زمن «الفونج» منتشرة فى جميع البلاد.

وكانت الطريقة التعليمية فى ذلك العهد تعتمد فى جملتها على

الاستظهار والحفظ كما فى سائر البلدان الإسلامية، وعرف

«السودان» معظم العلوم التى عرفها العالم الإسلامى من نحو وصرف

وبيان وبديع وعروض ومنطق وتوحيد وتفسير وحديث وفقه وتصوف

وجبر ومقابلة وتاريخ، ولكن كان أعظمها شأنًا هو علم الفقه

والتوحيد.

وقد ظلت الثقافة الإسلامية مزدهرة طوال ثلاثة قرون فى أرجاء

«السودان النيلى»، ولكن التعصب القبلى والتنازع على الحكم

وسياسة العزلة التى فرضها حكام «الفونج» فى القرن الثامن عشر

الميلادى أدى إلى انحلال هذه السلطنة، واستطاع «محمد على»

<<  <  ج: ص:  >  >>