مدينة «دنقلة» التى دخلها الإسلام قرب منتصف القرن الرابع عشر
الميلادى وارتفعت مكانتها بعد سقوط «مملكة علوة» المسيحية،
وقيام «سلطنة الفونج» الإسلامية محلها، وانتشرت فيها المدارس
والمساجد، ووفد إليها كثير من العلماء والفقهاء من أمثال «غلام الله
اليمنى»، الذى وفد إليها فى النصف الثانى من القرن الرابع عشر
الميلادى وأنشأ فيها مدارس لتعليم القرآن والفقه والحديث.
على أن أعظم هذه المراكز فى المنطقة الشمالية وأوسعها نفوذًا
وأبعدها أثرًا مدينة «الدامر» مركز «الجعليين» وكعبتهم الثقافية،
وقد زارها الرحالة «بركهارت» وتحدث عنها طويلا مشيرًا إلى
مكانتها العلمية وإلى توقير الناس لفقهائها وانتشار نفوذهم فى
جميع أرجاء «السودان النيلى»؛ وقد وصف مسجدها وتحدث عن
أهميته وعن الحركة العلمية المزدهرة، وعن المدارس الكبيرة وعن
الطلاب الوافدين من «دارفور» و «سنار» و «كردفان»، وعن الكتب
الكثيرة التى اشتريت من «القاهرة»، وعن معاهد العلم التى تعلم
تجويد القرآن والتفسير والتوحيد والمنطق وغيرها من العلوم
الإسلامية.
وهناك مدينة «سنار» وهى أعظم المراكز الثقافية فى ديار
«الفونج»، وكانت مركزًا تجاريا قبل كل شىء فقد عرفت بغناها
الوافر وتجارتها الرابحة، وكان التجار يجلبون إليها البضائع من
«مصر» و «الحجاز»، وكان يجلب إليها من «كردفان» التبر والحديد
والرقيق، كما جلبت إليها تجارة «الحبشة» وأصبحت مركزًا علميا
تتطلع إليه جميع المناطق السودانية شرقًا وغربًا.
ومن المراكز الإسلامية أيضًا مدينة «الفاشر» التى أصبحت بعد
إنشائها من المراكز الثقافية المهمة فى غربى «السودان النيلى»،
وإن كانت أقل شأنًا من «سنار»، وقد لاحظ الرحالة «محمد بن عمر
التونسى» انخفاض المستوى العلمى فى هذه المدينة، ويعود هذا
الأمر إلى أن الإسلام تأخر فى انتشاره فى «دارفور» عن بقية
أقاليم «السودان النيلى» الأخرى، كما يعود إلى الترحال والتنقل