الساحل، وكانوا يرتقبون فرصة ضعف أو تخاذل فى صفوف
أعدائهم، وعندما علموا بوفاة ملك «الحبشة» عام (٦٩٨هـ = ١٢٩٩م)،
قام شيخ مجاهد يدعى «محمد أبو عبدالله» بحشد طائفة كبرى من
قبائل «الجَلا» و «الصومال» وأعدهم للجهاد، وقام بغزو الحبشة، ولم
تعمد الحبشة إلى المقاومة بسبب بعض المتاعب الداخلية، واضطر
ملكها إلى التنازل للمسلمين عن بضع ولايات على الحدود نظير
الهدنة، ولم يكن سلاطين «أوفات» ليقنعوا بالهدنة، وخاصة أن
قوتهم قد ازدادت، فلم يستطع الملك الحبشى «ودم أرعد» (٦٩٨ -
٧١٤هـ = ١٢٩٩ - ١٣١٤م) أن يرد هجماتهم.
ورأت «أوفات» أن تظهر قوتها للحبشة بل وتتوسع فى أملاكها
وتقضى على عدوانها، فتقدم السلطان «حق الدين» وتوغل فى
أملاك الحبشة وغزا بعض الولايات المسيحية؛ مما جعل ملك الحبشة
يقوم بغزو «أوفات» فى عام (٧٢٨هـ = ١٣٢٨م) وهاجمها من جميع
الجهات وأسر «حق الدين» ووضع يده على مملكته وعلى «مملكة
فطجار» الإسلامية وجعلهما ولاية واحدة وعين عليها «صبر الدين»
وهو شقيق «حق الدين» بشرط الاعتراف بسيادة الحبشة.
غير أن «صبر الدين» لم يطق صبرًا على هذه التبعية وكوَّن حلفًا
إسلاميا من إمارتى «هدية» و «دوارو»، ثم تقدم لغزو الحبشة
واستولى على كثير من الغنائم، وهدد ملك الحبشة الذى خرج على
رأس جيشه وهاجم الحلفاء منفردين بادئًا بإمارة «هدية»، فحطمها
قتلا ونهبًا وأسرًا، وأرغمها على الخروج من الحلف، وحمل ملكها
أسيرًا إلى عاصمته، ثم تقدم إلى «أوفات» ودخلها ودمرها ونهب
معسكر المسلمين فيها، ثم تقدم إلى «فطجار» واستولى عليها
وعلى مملكة «دوارو».
وعلى ذلك يمكن القول بأنه فى هذه الفترة انتهى استقلال الممالك
الإسلامية فى «أوفات» و «هدية» و «فطجار» و «دوارو». وعين عليها
ملك الحبشة «جلال الدين» أخا «صبر الدين» حاكمًا، فقبل على أن
يكون تابعًا للحبشة، وهكذا اتسعت مملكة الحبشة وضعف أمر
المسلمين.