وقد سبقت الإشارة - عند الحديث عن الهجرات العربية إلى ساحل
شرق إفريقيا - إلى هجرتين وصلتا إلى ساحل «الصومال»، وهى
«هجرة الزيدية» التى أقبلت إلى «الصومال» بعد مقتل زعيمهم «زيد
بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب» رضى الله
عنهم، ثم هجرة الإخوة السبعة من «بنى الحارث» ومن معهم من
العرب إلى بلاد «الصومال» فى عام (٢٩٢هـ = ٩٠٣م). والهجرة
الأخيرة كانت أبقى أثرًا فى تاريخ «الصومال»، إذ إنها أقامت
«سلطنة مقديشيو» الإسلامية.
وقد كانت «مقديشيو» أول مدينة عربية بناها «بنو الحارث» على
«ساحل بنادر» عام (٢٩٥هـ = ٩٠٧م)، وتلتها مدينة «براوة» حوالى
عام (٣٦٥هـ = ٩٧٥م).
وتشير بعض المصادر إلى مواضع مدن أخرى مثل «قرفاوة»،
و «النجا»، و «بذونة»، و «ماندا» فى جزيرة «ماندا»، و «أعوزى»،
و «شاكة» قرب دلتا نهر «تانا»، وقد بنى «بنو الحارث» هذه المدن
فى سنوات متفاوتة وأسسوا فيها سلطنة استمروا فى حكمها معظم
فترات العصور الوسطى، فكان حكام «سلطنة مقديشيو» عند قدوم
البرتغاليين من سلالة الإخوة السبعة، بل إن فيها حتى اليوم سبع
عشائر تعود بأصولها إليهم.
وفى عهد هذه الأسرة الحاكمة صارت «مقديشيو» سلطنة قوية ذات
شوكة ونفوذ على عربان الساحل وعلى المدن التى تحيط بها، وكان
تجارها أول من وصلوا إلى بلاد «سفالة»، واستخرجوا منها الذهب،
مما درَّ عليهم أموالا كثيرة، استفادوا منها فى تطوير «مقديشيو»
فحلت المنازل المشيدة بالأحجار على الطراز العربى محل المبانى
الخشبية ومحل المساكن المتخذة من القش المغطى بجلود الحيوانات.
وكانت «مقديشيو» فى عهدهم بمثابة العاصمة لجميع البلاد المجاورة
ومركزًا للمدن العربية الأخرى التى امتدت على طول الشاطئ، فكانت
جموع الناس ترد على «مقديشيو» من هذه المدن، فيجتمعون فى
مسجدها الجامع حيث يؤدون صلاة الجمعة، مما يدل على أهمية مركز
«مقديشيو» الدينى والثقافى عند سكان الساحل جميعًا، حتى