للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ليون)، وكان أحيانا يقود تلك الصوائف، مثلما فعل سنة (٢٢٨هـ

= ٨٤٣م) حيث سار بجيشه إلى الشمال، وزحف على بلاد

البشكنس، وألحق بملكها الهزيمة، واضطر إلى طلب الأمان، وعاد

عبدالرحمن إلى قرطبة بعد أن وطد نفوذه هناك، وفرض هيبته

وقوته على البشكنس، حتى لايتجرءوا على مهاجمة أراضى

المسلمين مرة أخرى. وقد حرص «عبدالرحمن» على موالاة

إرسال الصوائف فى كل عام إلى الحدود الشمالية مما يلى

«طليطلة» شمالا، لأن الصراع هناك كان شديدًا، ولأن أهل طليطلة

كانوا يستنجدون بالإمارات النصرانية فى منازعاتهم مع الإمارة

الأندلسية، ويستنجدون أيضًا بنصارى الشمال وبخاصة ملوك

ليون. ظهرت آثار الرخاء وترف الحضارة فى عهد عبدالرحمن

فيما بناه الناس من قصور جميلة، تم تزيينها بالأثاث الفاخر

والفرش الوثيرة، والجوارى الحسان اللاتى جلبن من المشرق،

وانتشرت فى قرطبة البيوت المحاطة بالحدائق المزدانة بالأشجار

وأطلقوا عليها اسم «المنى»، وتوسَّع بعض الأغنياء فى الحدائق

المحيطة بهذه المنازل حتى أصبحت رياضًا، أطلق عليها اسم

«الجور»، وفى كل منها مكان معد لغناء المغنيات. وامتاز عهد

عبدالرحمن بالأمن والسكينة. وازدهار الصناعة والزراعة

والتجارة، وازدياد موارد الدولة التى بلغت نحو مليون دينار

سنويا مكنت الأمير من الإنفاق على الحملات العسكرية وإقامة

المنشآت العامة، كما أشرفت الحكومة المركزية على أعمال

الحكام من خلال ديوان المظالم المختص بالنظر فى شكاوى الناس

من تصرفات بعض رجال الحكومة. ونالت إقامة المبانى

والمنشآت قسطًا عظيمًا من عناية «عبدالرحمن الأوسط»، فبنى

مسجد إشبيلية الجامع، وزاد فى المسجد الجامع بقرطبة قدر

بهوين كبيرين من ناحية القبلة، ونقل المحراب إلى الجزء الجديد،

وأقام أعمدة أخرى، وأقواسًا فوق الأعمدة الأصلية، فكانت

الأقواس المزدوجة التى يعدها المعماريون من روائع العمارة

الإسلامية، وكان صحن المسجد مكشوفًا يدور حوله سور، وتزرع

<<  <  ج: ص:  >  >>