مكارم الأخلاق ومبادئ الإسلام، وبهذه الأخلاق والوفاء استطاع
الناصر بعد عشر سنوات من حكمه أن يعيد النظام والهدوء
والوحدة والأمان إلى دولته الواسعة، كما منح أمانات لبيوتات
الثغر الأعلى من أمثال: بنى هاشم وبنى قسى وبنى الطويل
واستفاد بهم وبما تميزوا به من شجاعة فى حروبه، ونجح فى
تحويل ملوك إسبانيا النصرانية إلى أتباع له أو حلفاء. ويذكر
للناصر أنه بنى مدينة الزهراء التى بدأ العمل بها فى أول
المحرم سنة ٣٢٥هـ = نوفمبر ٩٣٦م، وتولى الإشراف على بنائها
«الحكم» ولى العهد، وحشد لها أشهر المهندسين والصناع
والفنانين من سائر الأنحاء ولاسيما القسطنطينية وبغداد، وجلب
لها الرخام بألوانه من «المرية» و «رية»، ومن قرطاجنة إفريقية
وتونس والشام، وجلب لها (٤٣٢٤) سارية من الرخام واشتغل فى
بنائها يوميا عشرة آلاف رجل، و (١٥٠٠) دابة، واستخدمت من
الصخر المنحوت ستة آلاف صخرة فى اليوم، وقدرت النفقة على
بنائها ب ٣٠٠ ألف دينار سنويا بخلاف ما أنفق فى عهد الحكم،
كما أمر الناصر بإضافة زيادة ثالثة إلى المسجد الجامع فى
قرطبة سنة (٣٤٦ هـ = ٩٥٧م)، وقد ضاعفت هذه الزيادة حجم
المسجد فى الاتجاه الجنوبى، وقد تم بناء الزيادة على طراز
بقية المسجد نفسه من حيث الأقواس ومواد البناء. وعُد محراب
هذه الزيادة فى المسجد آية من آيات الفن الأندلسى ذلك أنه ليس
محرابًا بل غرفة من الرخام سقفها قطعة واحدة منه فى هيئة
محراب، ووسط هذا المحراب كرسى يوضع عليه المصحف الشريف
يستخدمه القارئ فى تلاوة القرآن الكريم قبل الصلوات. وقد
اهتم الناصر بالجيش وجمع له الجند من أنحاء المغرب والأندلس،
واستكثر من الأسلحة، وأمده بمجموعة من أمهر القادة، وتولى
القيادة بنفسه أحيانًا. كما عنى بالأسطول واهتم بإصلاح
وحداته، وأنشأ به وحدات جديدة، وكانت «المرية» هى مركز
الأسطول الرئيسى وبها دار الصناعة، وقد ضم أسطول الناصر