يعود دون أن يفعل شيئًا. وعند وصوله إلى طليطلة جاءته الأنباء
تفيد أن انقلابًا قد حدث فى قرطبة وأن الثوار استولوا على
مدينة الزاهرة فاضطربت صفوفهم، واضطر عبدالرحمن إلى أن
يعود عن طريق قلعة رباح، ولم يلتفت إلى نصح من طلب منه
البقاء فى طليطلة، لاعتقاده أن الناس سترحب به إذا رأوه يقترب
من قرطبة. وكان السبب الرئيسى للثورة هو استبداد بنى عامر
وقهرهم للناس استنادًا إلى قوة قوامها البربر والصقالبة، ثم
كانت ولاية عبدالرحمن للعهد واستئثاره برسوم الخلافة والحكم
هى الشرارة التى انتقلت منها نيران الثورة إلى كل العناصر
الناقمة، وعلى رأسهم بنو أمية، وكان المخطط للثورة والمتابع
لمراحل تنفيذها «الزلفاء» والدة عبدالملك -التى اعتقدت أن
«شنجول» سم ابنها - ثم فتى أموى اسمه «محمد بن هشام بن
عبدالجبار بن عبدالرحمن الناصر» كان عبدالملك قد أعدم أباه. لم
يكن المروانية وحدهم يرغبون فى القضاء على العامريين، وإنما
كان معهم كل العناصر الناقمة من البيوت العربية مضرية أو
يمنية، يؤازرهم كل طبقات الشعب، وأحكم هؤلاء جميعًا خطتهم
وانتهزوا فرصة خروج عبدالرحمن للغزو ومعه معظم الجيش
ليقوموا بالتنفيذ، وفى يوم (١٦ من جمادى الأولى ٢٩٩هـ = ١٥
من يناير ١٠٠٩م) جاءت الأنباء بأن عبدالرحمن عبر بجيشه إلى
أرض النصارى، فقام محمد بن هشام بإنزال ضربته، وهجم على
قصر قرطبة وقتل صاحب المدينة، والتف حوله الساخطون، ثم
اقتحم سجن العامرية وأخرج من فيه، واجتمع حوله المروانية
وانضم إليه الناس من كل حدب وصوب، وبعد أن سيطر ابن
عبدالجبار على القصر واستولى على كل ما فيه من سلاح
وغيره، طلب من الخليفة هشام أن يخلع نفسه فوافق، وانتهت
بذلك خلافته الصورية التى دامت (٣٣) سنة وتولى الأمر «محمد بن
هشام بن عبدالجبار» وتلقب بالمهدى فى (١٧ من جمادى الآخرة
٣٩٩هـ = ١٦ من فبراير ١٠٠٩م) وجاءه الناس مهنئين، وما شعروا