كما كان يريد، بل أجبرته الظروف على التفاهم والاتفاق معه.
الاتفاق بين على ومعاوية:
بعد انقسام جبهة «على» إلى «شيعة» و «خوارج» ازداد موقفه
ضعفًا؛ لأن صراعه مع «الخوارج» كبده متاعب جسيمة، وفى الوقت
نفسه كان موقف «معاوية» يزداد قوة، وبخاصة بعد أن استطاع
الاستيلاء على «مصر» سنة (٣٨هـ)، بجيش قاده فاتحها الأول «عمرو
بن العاص»، ونشر قوات له فى أطراف «العراق»، وضم «اليمن» إليه،
وأصبحت دولته تتسع بمرور الزمن، فى الوقت الذى تضيق فيه دولة
«على».
وانتهى الأمر بأن جرت بينهما مفاوضات طويلة، اتفقا على وضع
الحرب بينهما وتكون لعلى «العراق» وبلاد فارس ولمعاوية الشام فلا
يدخل أحدهما على صاحبه فى عمله بجيش ولا غارة .. وتراضيا على
ذلك» .. وهكذا أجبرت الظروف التى تكون أحيانًا أقوى من الرجال
«على بن أبى طالب» أن يصالح «معاوية»، ويسلم له بنصف الدولة
الإسلامية تقريبًا، يحكمها حكمًا مستقلا، وهو الذى رفض فى بادئ
الأمر إبقاءه واليًا على الشام وحدها يأتمر بأمره، وينتهى بنهيه.
إدارة الدولة وتثبيت الفتوحات فى عهده:
على الرغم من الظروف الصعبة التى واجهت الإمام «عليًّا» -رضى الله
عنه- فإنه أدار الدولة باقتدار وعدالة ونزاهة وتجرد، ولم يقصر فى
شأن من شئونها، واتخذ من «الكوفة» عاصمة لدولته منذ أن خرج من
«المدينة» إلى «البصرة» وبعد معركة «الجمل»، وظل يحكم منها إلى
أن لقى الله، وعهد بإدارة بقية أجزاء دولته إلى أقرب الناس إليه،
وأخلصهم له، فجعل «عبدالله بن عباس» واليًا على «البصرة» وأخاه
«عبيد الله بن عباس» واليًا على «اليمن»، وأخاهما الثالث «قثم بن
عباس» على «مكة» و «الطائف»، وعزل «قيس بن سعد» عن «مصر»،
وولى مكانه «محمد بن أبى بكر الصديق».
ولا لوم على «عثمان» و «على» إذا وليا أهل قرابتهما؛ لأن كل واحد
منهما اجتهد لمصلحة الأمة، وكان أمينًا عليها، فعهد بإدارة الدولة