شجاعة حيث تحمل المسئولية فى أصعب الظروف وأدقها.
وكان متوقعًا أن تنهى بيعته بالخلافة حالة الفوضى التى سادت
البلاد بعد مقتل (عثمان)، لكن الأحداث تطورت سريعًا من سيئ إلى
أسوأ، وانتهى به الحال أن قُتل شهيدًا، وقبل وفاته استشاره
أصحابه فى بيعة ابنه (الحسن) بعده، فقال لهم: (لا آمركم ولا
أنهاكم، أنتم أبصر)، لكنهم بايعوا (الحسن)، الذى تنازل عن الخلافة
لمعاوية كما ذكرنا.
وخلاصة ما سبق أن طريقة اختيار الخليفة فى عهد الراشدين كانت
تتم ببيعة حرة وعامة بعد ترشيح شخص أو أكثر، وأن ترشيح
الخليفة السابق لم يكن ملزمًا للأمة، بل لها أن توافق أو تعترض،
وهذا هو نظام الشورى فى الإسلام الذى يشبه فى مصطلحات العصر
الحديث النظام الديمقراطى.
ولم يفكر أى واحد من الخلفاء الراشدين فى أن يعهد بالأمر إلى أحد
من أبنائه أو أقربائه، حرصًا منهم على إبعاد فكرة الوراثة عن نظام
الحكم الإسلامى إبعادًا تاما، وقد وضَّح (أبو بكر الصديق) هذا المعنى
عندما رشَّح (عمر) فى قوله: (أترضون بمن أستخلف عليكم؟ فإنى
والله ما آلوت من جهد الرأى، ولا وليت ذا قرابة)، كما استبعد (عمر
بن الخطاب) ابنه (عبدالله) تمامًا من الترشيح، بل استبعد ابن عمه
(سعيد بن زيد) أيضًا من الترشيح مع أهل الشورى؛ دفعًا لشبهة
القرابة مع أن الشروط تنطبق عليه.
ولم يُؤثَر عن (عثمان) شىء من ذلك، وترك (على بن أبى طالب) الأمر
للأمة لاختيار من ترضاه، ورفض ترشيح ابنه (الحسن) للخلافة أو
الوصاية له بالبيعة.
أسلوب اختيار الخليفة الأموى:
لم يكن أحد يظن أن بيعة المسلمين لمعاوية بن أبى سفيان ستكون
إيذانًا بتأسيس دولة أموية وراثية وكان المسلمون قد استبشروا خيرًا
بهذه البيعة بعد فترة من الفتن والحروب، حتى إن بعض الصحابة
الذين كانوا قد توقفوا فى بيعة (على) - رضى الله عنه - بايعوا
(معاوية)، دعمًا لوحدة الأُمة ولمِّ شملها، مثل: (سعد بن أبى وقاص)
و (عبدالله بن عمر).