وربما توقَّع الناس أن (معاوية) سيحذو حذو من سبقه من الخلفاء
الراشدين ويترك الأمر شورى للمسلمين، يختارون للخلافة من بعده من
يرونه أهلا لتولى تبعات هذا المنصب الجليل، أو سيجتهد فى اختيار
شخص يراه أصلح الناس لتولِّى منصب الخلافة، ويكون بعيدًا عن
قرابته كما فعل الخلفاء قبله، لكن (معاوية) فاجأ الأمة الإسلامية
بترشيح ابنه (يزيد) للخلافة من بعده، وبدأ فى أخذ البيعة له فى
حياته، بدعم من أهل الشام، ولما نجح فى ذلك لم يكن صعبًا عليه أن
ينتزع البيعة لابنه من بقية الأقطار الإسلامية، بالترغيب تارة
وبالترهيب تارة أخرى.
ولم يعارض (معاويةَ) فى خطواته هذه سوى أهل (الحجاز)، الذين
رأوا فى عمله خروجًا على ما ألفه المسلمون فى اختيار خليفتهم
ببيعة حرة قائمة على الشورى، وتركزت المعارضة فى ثلاثة من
أبناء كبار الصحابة، هم (الحسين بن على بن أبى طالب)، و (عبدالله
بن الزبير)، و (عبدالله بن عمر).
وقد تطورت معارضة الأوَّلين إلى خروج (الحسين) على (يزيد) بعد
موت (معاوية)، واستشهاده فى موقعة (كربلاء) المشهورة سنة
(٦١هـ)، وإلى دعوة (عبدالله بن الزبير) بالخلافة لنفسه بعد موت (يزيد
بن معاوية) سنة (٦٤هـ)، ثم دخوله فى صراع مع الأمويين، انتهى
بمقتله سنة (٧٣هـ)، بعد أن دامت خلافته تسع سنوات، أمَّا (عبدالله
بن عمر)، فقد بايع (يزيد) حفاظًا على وحدة المسلمين، بعد أن رأى
أن استمراره فى معارضته لن يكون فى مصلحة الأمة الإسلامية.
وقد دافع عن عمل (معاوية) كثير من المؤرخين، ورأوا فى صنيعه
عملا ضروريا للحفاظ على وحدة الأمة، واجتناب العودة إلى الحروب
الأهلية، ويقف على رأس هذا الفريق المؤرخ الكبير (عبدالرحمن بن
خلدون) مؤيِّدًا إقدام (معاوية) على هذه الخطوة بقوله: (والذى دعا
معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون سواه إنما هو مراعاة المصلحة
فى اجتماع الناس، واتفاق أهوائهم، باتفاق أهل الحل والعقد حينئذٍ