من بنى أمية؛ إذ بنو أمية يومئذٍ لا يرضون سواهم، وهم عصابة قريش
- أى أكثرهم قوة - وأهل الحل أجمع، وأهل الغلب منهم، فآثره
بذلك دون غيره ممن يظن أنه أولى بها، وعدل عن الفاضل إلى
المفضول؛ حرصًا على الاتفاق واجتماع الأهواء، الذى شأنه أهم عند
الشارع، لا يظن بمعاوية غير هذا، فعدالته وصحبته مانعة من سوى
ذلك، وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عليه، دليلٌ على انتفاء
الريب فيه، فليسوا ممن يأخذهم فى الحق هوادة، وليس معاوية ممن
تأخذه العزة فى قبول الحق، فإنهم كلهم أجلُّ من ذلك وعدالتهم
مانعة).
ويدعم (ابن خلدون) رأيه هذا بأن ولاية العهد من الخليفة القائم إلى
شخص يتولى الخلافة بعده أمر جائز لا حرج فيه، فيقول: (قد عرف
ذلك من الشرع بإجماع الأمة على جوازه وانعقاده، إذ وقع من أبى
بكر - رضى الله عنه - لعمر بن الخطاب بمحضر من الصحابة، وأجازوه
وأوجبوا على أنفسهم به طاعة عمر رضى الله عنه وعنهم).
وما قاله (ابن خلدون) يمكن الرد عليه بأن (أبا بكر) عهد إلى (عمر)؛
لأنه رآه أصلح الصحابة لتولى الخلافة بعده وتحمُّل تبعاتها، وقد كان
كذلك بالفعل، ولم تكن تربطه به صلة قرابة قريبة، وقد أوضح ذلك
بقوله: (أترضون بمن أستخلف عليكم؟ فإنى والله ما آلوت من جهد
الرأى، ولا ولَّيت ذا قرابة)، كما أن (عمر) لم يصبح خليفة بترشيح
(أبى بكر الصديق) واختياره له فحسب، بل برضى المسلمين وبيعتهم
له.
ولو أن (معاوية) عهد إلى أحدٍ غير ابنه، واجتهد فى اختيار من هم
أصلح للخلافة بعده، ما اعترض عليه أحد، ولحقَّق الغرض الذى قصده
(ابن خلدون) من ولاية العهد، وهو سد أبواب الخلاف بين المسلمين،
ومن ثم فإن الاعتراضات على تصرف (معاوية) جاءت من اختياره ابنه
لولاية العهد دون سواه، لا من فكرة ولاية العهد نفسها.
وأياً ما كان الأمر فإن الخلافة حُصِرت فى الأسرة الأموية، يتوارثها
الأبناء والإخوة، ولم يكتفِ الخليفة منهم بتولية العهد لواحد فقط، بل