العثمانى إلى الخليج وبعد ذلك إلى المدينة نفسها، وساد الذعر
البيزنطيين وكان قد قتل منهم من قتل، وهرب من استطاع إلى
ذلك سبيلا. الفاتح يعطى الأمان: عندما دخل «محمد الفاتح»
المدينة أمر بإحراق جثث القتلى تفاديًا للأمراض، وسار على ظهر
جواده إلى كنيسة «آيا صوفيا» حيث تجمع الشعب البيزنطى
ورهبانه، وما إن علموا بوصول السلطان الفاتح حتى خروا سجدًا
راكعين بين أنين وبكاء وعويل، ولما وصل الفاتح، نزل من على
ظهر حصانه وصلى ركعتين شكرًا لله على توفيقه له بالفتح، ثم
سار يقصد شعب بيزنطة ورهبانه، ولما وجدهم على هذه الحالة
من السجود انزعج وتوجه إلى رهبانهم قائلا: «قفوا استقيموا
فأنا السلطان محمد، أقول لكم ولجميع إخوانكم ولكل
الموجودين هنا، إنكم منذ اليوم فى أمان فى حياتكم
وحرياتكم»، وهذا ما سجله مؤرخ بولونى كان معاصرًا. وكان
لهذا التصرف من الفاتح أثر كبير فى عودة المهاجرين النصارى
الذين كانوا قد فروا من المدينة، وأمر الفاتح قواده وجنوده
بعدم التعرض للشعب البيزنطى بأذى، ثم طلب من الناس العودة
إلى ديارهم بسلام، وحول «آيا صوفيا» إلى جامع، على أن
تصلى فيه أول جمعة بعد الفتح (كان الفتح يوم ثلاثاء) وكانت
«آيا صوفيا» أكبر كنيسة فى العالم وأقدم مبنى فى أوربا
كلها، وسميت المدينة «إسلامبول» أى مدينة الإسلام. كان سلوك
الفاتح عندما دخل «القسطنطينية» ظافرًا؛ سلوكًا مختلفًا تمامًا
عما تقول به شريعة الحرب فى العصور الوسطى، وهو نفى
شعب المدينة المفتوحة إلى مكان آخر أو بيعه فى أسواق
النخاسة، لكن الفاتح قام بما عجز عن فهمه الفكر الغربى
المعاصر له من تسامح ورحمة، فقد قام بالآتى: - أطلق سراح
الأسرى فورًا نظير مقابل مادى قليل يسدد على أقساط طويلة
المدى. - وأسكن الأسرى الذين كانوا من نصيبه فى المغانم فى
المنازل الواقعة على ساحل الخليج. - وعندما أبيحت
«القسطنطينية» للجنود ثلاثة أيام عقب الفتح، كان هذا الإذن