الراشدين، من بساطة وزهد فى المأكل والملبس والمسكن، ولم تطقه
نفوسهم، حتى إن (معاوية بن أبى سفيان) صرَّح بعدم قدرته على
مجاراة سلوكهم، وهو مؤسس الدولة، وكاتب الوحى لرسول الله
- صلى الله عليه وسلم -، وقال: (لقد رمت نفسى على عمل ابن أبى
قحافة - أبى بكر الصديق - فلم أجدها تقوم بذلك ولا تقدر عليه،
وأردتها على عمل ابن الخطاب، فكانت أشد نفورًا وأعظم هربًا من
ذلك، وحاولتها على مثل عثمان فأبت علىَّ، وأين مثل هؤلاء؟ ومن
يقدر على أعمالهم؟ هيهات أن يدرك فضلهم أحد ممن بعدهم؟ رحمة
الله ورضوانه عليهم، غير أنى سلكت بها طريقًا لى فيه منفعة ولكم
فيه مثل ذلك، ولكل فيه مؤاكلة حسنة، ومشاربة جميلة ما استقامت
السيرة وحسنت الطاعة، فإن لم تجدونى خيركم، فأنا خير لكم).
وعلى هذا عاش (معاوية) فى (دمشق) التى اتخذها عاصمة لدولته
عيشة فيها توسع فى المأكل والمشرب والملبس والمسكن، والحق
أن (معاوية) كان يعيش وهو أمير على الشام حياة نعمة وسعة إذا ما
قورنت بحياة الخلفاء الراشدين، بل إن (عمر بن الخطاب) لم ينكر عليه
مثل هذه الحياة، ولم ينهه عنها، ففى إحدى زيارات (عمر) إلى الشام
لقيه أميرها (معاوية) وهو فى أبهة الملك وزيِّه، فاستنكر (عمر) ذلك
فى البداية، وقال: (أكسرويه يا معاوية؟)، يعنى أتتشبَّه بكسرى؟،
فقال (معاوية): (يا أمير المؤمنين إنا فى ثغر تجاه العدو -يقصد الدولة
البيزنطية - وبنا إلى مباهاتهم بزينة الحرب والجهاد حاجة)، فسكت
(عمر) ولم يخطِّئه لما وجد حجته قوية.
وإذا كان (معاوية) توسَّع فى معيشته وهو أمير، فليس بغريب بعد أن
أصبح خليفة أن تحف به مظاهر الملك، من اتخاذ الحراس والشرطة،
والحجاب، وإرخاء الستور، وسكنى القصور ذات الحدائق الغنَّاء فى
عاصمته (دمشق) التى تعد من أقدم مدن العالم، وكانت عامرة
بالمبانى الفاخرة والحدائق والبساتين، بل إنه اتخذ مقصورة ليصلى