فيها منعزلا عن الناس بعد تعرضه لمحاولة اغتيال سنة (٤٠هـ).
ونظرًا لهذه الحياة المترفة الباذخة قيل عن (معاوية): إنه كان ملكًا لا
خليفة، بل رُوى عنه نفسه أنه قال: (أنا أول الملوك)، ووصفه (ابن
عباس) بأنه كان ملكًا، وقال عنه (ابن تيمية): (فلم يكن من ملوك
المسلمين ملك خيرًا من معاوية، ولا كان الناس فى زمان ملك من
الملوك خيرًا منهم فى زمان معاوية، إذا نسبت أيامه إلى أيام من
بعده، أمَّا إذا نسبت إلى أيام أبى بكر وعمر ظهر التفاضل)، كما
يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يؤيد أن حكم (معاوية)
كان بداية الملك فى الإسلام، فقال: (إن هذا الأمر بدأ رحمة ونبوة، ثم
يكون رحمة وخلافة، ثم كائن ملكًا عضوضًا). [ابن كثير].
وقال: (الخلافة بعدى ثلاثون سنة، ثم تكون ملكًا). [ابن كثير].
ولا يظنن أحد أن وصف (معاوية بن أبى سفيان) - رضى الله عنه -
بالملك فيه انتقاص من قدره؛ لأن الملك لا يُذَم لذاته، وإنما لما يحفّ به
من المظالم والطغيان، أمَّا إذا قام على الحق وبالحق فلا يُذَم، ولو
كان الملك مذمومًا فى ذاته ما تمنَّاه (سليمان بن داود) - عليهما السلام
- حيث قال: {رب اغفر لى وهب لى ملكًا لا ينبغى لأحد من بعدى}.
[ص: من ٣٥].
والإسلام لا يهمه ما يُلقَّب به الحاكم المسلم، خليفة كان أو ملكًا، وإنما
يعنيه أن يحكم بشريعة الله وسنة رسوله.
إن حياة الترف التى عاش فيها خلفاء الدولة الأموية، كانت من
مقتضيات التطور الاجتماعى الطبيعى فى حياة الأمة، بعد أن كثرت
الأموال فى أيديهم كثرة هائلة من الغنائم، وكان من الطبيعى أن
يؤدى ذلك إلى الميل إلى حياة الترف، ولم يكن فى وسع أحد أن
يوقف ذلك الميل، بل إن (ابن خلدون) رأى أن الترف فى أول نشوء
الدولة كان مطلوبًا؛ لأنه يزيدها قوة على قوتها، وعقد لذلك فصلا
فى مقدمته -المعروفة- بعنوان: (فصل فى أن الترف يزيد الدولة فى
أولها قوة إلى قوتها).