للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمتأمل لتاريخ الدولة الأموية يتفق مع (ابن خلدون) فى هذا التعليل،

لأن (معاوية بن أبى سفيان) ومن تلاه من أوائل خلفاء الدولة

استخدموا الأموال فى تأليف الناس حولهم واستكثروا من الذرية

والموالى والصنائع - الأنصار والأتباع - لترسيخ قواعد الدولة حتى

بلغت أوج قوتها، وفى ذلك يقول (ابن طباطبا) بعد أن وصف

(معاوية) بالحلم وحسن السياسة والتدبير للملك: (وكان كريمًا باذلا

للمال، محبا للرياسة، شغوفًا بها، كان يفضل على أشراف رعيته

كثيرًا، فلا يزال أشراف قريش، مثل: عبدالله بن العباس، وعبدالله بن

الزبير، وعبدالله بن جعفر الطيار، وعبدالله بن عمر، وعبدالرحمن بن

أبى بكر، وأبان ابن عثمان وناس من آل أبى طالب - رضى الله عنهم

- يفدون عليه بدمشق، فيكرم مثواهم، ويحسن قراهم، ويقضى

حوائجهم، بمثل هذه السياسة صار خليفة العالم الإسلامى وخضع له

أبناء المهاجرين والأنصار، وكل من يعتقد أنه أولى منه بالخلافة).

وسار (يزيد بن معاوية) على خطى أبيه فى الإحسان إلى الناس

واستمالتهم بالأموال، وكذلك فعل (مروان بن الحكم) وابنه (عبدالملك)

وأولاده.

تحرى بنى أمية للحق والعدل:

حرص خلفاء الدولة الأموية الأوائل وأمراؤها على الالتزام بمقررات

الإسلام فى جمع الأموال، والإذعان لكلمة الحق مهما يكن قائلها،

فحين أراد (معاوية بن أبى سفيان) أن يزيد على أهل (مصر) فى

مقدار الجزية التى فرضت عليهم عند أول الفتح الإسلامى لبلادهم، إذا

بعامله على بيت المال - (وردان) - يقول له: (كيف تزيد عليهم يا أمير

المؤمنين وفى عهدهم ألا يزاد عليهم) فيذعن الخليفة لقول عامله

ويكف عن الزيادة، وعندما أراد (عبدالعزيز بن مروان) والى (مصر)

(٦٥ - ٨٥هـ) أن يأخذ الجزية من المسلمين الجدد عارضه القاضى (ابن

حجيرة) قائلا له: (أعيذك بالله أيها الأمير أن تكون أول من سنَّ ذلك

بمصر) فتركهم.

وظلت معارضة العلماء قوية لكل من تسول له نفسه الخروج على

<<  <  ج: ص:  >  >>