مبادئ الإسلام حتى جاء (عمر بن عبدالعزيز) (٩٩ - ١٠١هـ) فقضى
تمامًا على كل سلوك شاذ، وصاح صيحته الخالدة فى وجوه العمال
الذين كان همهم جمع المال بأى طريقة، قائلا لهم: (قبح الله رأيكم،
فإن الله - تعالى - بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هاديًا ولم يبعثه
جابيًا).
وإذا كان دخول الأموال إلى بيت المال خضع للعدل والتحرى، فإن
خروجه منه لم يخضع لمثل ذلك، والمصادر التاريخية التى أعطت
نماذج وأمثلة كثيرة على تحرى خلفاء (بنى أمية) العدل فى جمع
الأموال وجبايتها، هى نفسها التى تقدم أمثلة من التجاوزات التى
كانت تحدث فى إنفاق الأموال، سواء من الخلفاء وأبنائهم، أو من
عمالهم وولاتهم، وهذا دليل على نزاهة المصادر التاريخية وأمانتها
بصفة عامة، وأن مؤلفيها لم يجاملوا الحكام، وكانت لديهم الجرأة
والشجاعة لتسجيل كل مخالفة شرعية.
والحق أن بعض الخلفاء الأمويين قد تجاوزوا سنة الخلفاء الراشدين
فى نظرتهم إلى المال العام، وكان الراشدون ينزهون أنفسهم
وأولادهم تمامًا عن أموال المسلمين، ويحوطون بيت المال بالضمانات
التى تحفظ الأموال وتصونها؛ حتى لا تمتد إليها يد من لا يستحق، لكن
هذا الوضع تغيَّر كثيرًا فى العصر الأموى، ولم يعد هناك حد فاصل
بين بيت المال المركزى فى (دمشق) وبين مال الخلفاء، فأغدقوا
بالمنح والعطايا والهبات على أبنائهم وأقربائهم وأنصارهم
وشعرائهم الذين يمدحونهم ويروجون لأفكارهم وسياساتهم، وكذلك
لم يعد هناك حد فاصل بين بيوت المال فى الأقاليم والولايات وبين
مال الولاة، الذين كانت بيوت المال تحت إشرافهم المباشر يأخذون
منها ما يريدون، ويعطون من يشاءون.
وقد أدَّى ذلك إلى تضخُّم ثروات الخلفاء وأبنائهم وبعض ولاتهم،
حتى تولَّى الخلافة (عمر بن عبدالعزيز)، الذى بدأ عهده بالعكوف
على سجلات الدولة، وتحرَّى الإقطاعات والهبات التى مُنحت لأمراء
(بنى أمية) وأتباعهم، وأخذ فى رد الأموال التى ثبت أنها أُعطيت