احتفى به وهنأه على عمله، أنابه عنه فى حكم «المدينة»،
وعاد هو إلى «ذى القصة» ليدير المعركة مع المرتدين بعزيمة لا
تلين. أراد «أبو بكر الصديق» أن يبصِّر المرتدين بخطورة ما
أقدموا عليه، فواجههم مواجهة سلمية بأن دعاهم إلى العودة
بدون قتال إلى الإسلام، الذى أكرمهم الله به، وأرسل إليهم
كتابًا يقرأ على القبائل كلها؛ لعلهم يعقلون، جاء فى أخره: «
وإنى بعثت إليكم فلانًا فى جيش من المهاجرين والأنصار
والتابعين بإحسان، وأمرته ألا يقاتل أحدًا ولا يقتله حتى يدعوه
إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقرَّ وكف وعمل صالحًا، قبل
منه وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك، ثم لا
يبقى على أحدٍ منهم قدر عليه، .. ولا يقبل من أحدٍ إلا الإسلام
فمن اتبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله، وقد أمرت
رسولى أن يقرأ كتابى فى كل مجمع لكم، والداعية الأذان،
فإذا أذن المسلمون فأذَّنوا كفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا
عاجلوهم ... ». وفى الوقت الذى كان يأمل فيه أن يستجيب
المرتدون، ويعودوا إلى دين الله دون قتال؛ كان يعد أحد عشر
جيشًا فى وقت واحد، تغطى المناطق التى ارتد أهلها فى شبه
جزيرة العرب، جاهزة للانطلاق إلى كل منطقة؛ ليشغل كل قبيلة
بالدفاع عن نفسها فى ديارها، ولا تأخذ فرصة للتجمع والتكتل
ضده، وكان هذا تصرفًا بارعًا وحكيمًا من «الصديق». لم يستجب
المرتدون لدعوة «أبى بكر» السلمية، فبدأ قادته ينفذون ما عهد
إليهم من مهام، وخاض «خالدبن الوليد» أول معارك الردة
فى «بذاخة» ضد المرتدين من «غطفان» و «بنى أسد» وحلفائهم
ممن التفوا حول «طليحة بن خويلد الأسدى» مدعى النبوة، وكان
النصر حليف «خالد»، بعد أن ألحق بهم هزيمة منكرة وغنم
كثيرًا، وأرسل عددًا من زعمائهم أسرى إلى الخليفة، وفر
«طليحة»، وظهر كذبه، ويجدر بالذكرى أن «طليحة» قد أسلم
بعد ذلك، وحسن إسلامه فى عهد «أبى بكر الصديق»، واشترك