رائعًا كل الروعة، فماذا لو وافق «أبو بكر» «عمر» ومن معه
على رأيهم؟ ربما شجع هذا التنازل قبائل أخرى، فتمتنع عن
دفع الزكاة أسوة بهؤلاء، ولربما تطور الموقف إلى أبعد من
هذا، فتمتنع قبائل عن إقامة الصلاة أو غيرها من أركان
الإسلام، ويكون هذا هدمًا للدين من أساسه. وكأن «الصديق»
حين فعل هذا تمثل واقتدى بموقف لرسول الله - صلى الله عليه
وسلم - عندما جاءه وفد «ثقيف» يعلنون إسلامهم، ويطلبون منه
إعفاءهم من أداء الصلاة، فرفض النبى - صلى الله عليه وسلم -
ذلك، وقال لهم: «لا خير فى دين لاصلاة فيه»، ولعل «الصديق»
قصد ذلك حين قال: «والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة».
ولم يكن «الصديق» صاحب قرارات صائبة فحسب، بل كان يقرنها
بالعمل على تنفيذها، فلما رأى الغدر فى عيون مانعى الزكاة
أدرك أنهم سيهاجمون «المدينة» على الفور؛ لأنهم عرفوا غياب
معظم الرجال مع جيش «أسامة»، وأعلن حالة الاستعداد للدفاع
عن «المدينة» عقب عودة المانعين إلى ديارهم، واتخذ مسجد
رسول الله، مقرا لغرفة عمليات عسكرية، وبات ليلته يُعد للمعركة
ويستعد لها، وأمر عددًا من كبار الصحابة بحراسة مداخل
«المدينة»، على رأسهم «على بن أبى طالب»، و «طلحة بن
عبيد الله»، و «الزبير بن العوام»، و «عبد الله بن مسعود» رضى
الله عنهم. وحدث ما توقعه «الصديق» فبعد ثلاثة أيام فقط هاجم
مانعو الزكاة «المدينة»، فوجدوا المسلمين فى انتظارهم،
فهزمهم المسلمون وردوهم على أعقابهم إلى «ذى القصة» -
شرقى «المدينة». ثم تعقبهم «الصديق» وألحق بهم هزيمة
منكرة، وفرت فلولهم، وغنم المسلمون منهم غنائم كثيرة، واتخذ
«الصديق» من «ذى القصة» مكانًا لإدارة المعركة ضد حركة الردة
كلها، وفى هذه الأثناء جاءت الأخبار بوصول جيش «أسامة»
سالمًا غانمًا، فأسرع «الصديق» بنفسه لاستقبال قائد الجيش
الشاب، الذى قام بهذه المهمة الخطيرة خير قيام، وبعد أن