باتخاذ ذلك القرار الصعب قائلا: «والذى نفس أبى بكر بيده، لو
ظننت أن السباع تخطفتنى لأنفذت بعث أسامة، كما أمر به
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو لم يبق فى القرى غيرى
لأنفذته». وقد ظهرت نتائج سياسة «الصديق» الموفقة، عندما
ذهب جيش «أسامة» وحقق ما قصده الرسول - صلى الله عليه
وسلم - من أهداف، وعاد محمَّلا بالغنائم، وألقى الرعب والفزع
فى قلوب القبائل العربية التى مرَّ عليها فى شمالى شبه
الجزيرة العربية وهو فى طريقه إلى الشام؛ لأنهم قالوا: «لو لم
يكن بالمسلمين قوة لما أرسلوا هذا الجيش الكبير إلى هذا
المكان البعيد فى مثل هذا الوقت»؛ ولذا كانت حركة الردة فى
المناطق التى مرّ بها «أسامة» بجيشه أضعف منها فى أى مكان
آخر من شبه الجزيرة العربية. يعد موقف «الصديق» من حركة
الردة ومواجهته لها من أروع المواقف فى التاريخ، لأنه آمن
إيمانًا عميقًا بانتصار الحق مهما تكن قوة أعدائه، وأظهر
تصميمًا على الدفاع عن الإسلام مهما يبذل من جهد. وقد بدأت
حركة الردة بالقبائل التى منعت الزكاة كعبس و «ذبيان»
و «غطفان» وغيرها، حيث أرسلت وفدًا إلى «المدينة»، يعرض
على «الصديق» مطالبهم، وأنهم لم يرفضوا الإسلام، ولكنهم
يرفضون دفع الزكاة لحكومة «المدينة»؛ لأنها فى ظنهم معرَّة،
ويعدُّونها إتاوة تدفع لأبى بكر، ولم تدرك تلك القبائل أثر
الزكاة فى التكافل الاجتماعى بين المسلمين. كان رأى فريق
من الصحابة وعلى رأسهم «عمر بن الخطاب» أن يستجيب «أبو
بكر» لتلك القبائل، ولا يجبرها على دفع الزكاة، وخاصة أن
«المدينة» مكشوفة، وليس بها قوة تحميها وتدافع عنها؛ لأن
جيش «أسامة» لما يعد بعد من شمالى بلاد العرب، لكن
«الصديق» لم يقتنع بهذا الرأى، ورد على «عمر بن الخطاب» ردا
جازمًا قائلا له: «والله لو منعونى عقالا -الحبل الذى يجرُّ به
الحمل - لجاهدتهم عليه». وكان هذا الموقف الثابت من «الصديق»