الشام»، كما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لأن
«الصديق» أقدم عليه فى ظروف دقيقة وحرجة، فالعربُ قد
ارتدت عن الإسلام، حتى «مكة» نفسها همت بالردة، لولا أن
«سهيل بن عمرو» روَّعهم، قائلا: «لماذا ترتدون والنبوة كانت
فيكم، والخلافة أصبحت فيكم؟»، وحاولت «الطائف» أن ترتد،
فمنع من حدوث ذلك عقلاؤها؛ إذ قالوا لقومهم: لقد كنتم آخر من
أسلم، فلا تكونوا أول من يرتد. كما استفحل أمر مدعى النبوة
«مسيلمة الكذاب» فى «اليمامة» شرقى شبه الجزيرة العربية،
و «طليحة بن خويلد الأسدى» فى «بنى أسد»، فى منطقة
«بذاخة» -ماء لبنى أسد يقع إلى الشرق من «المدينة المنورة» -
و «لقيط بن مالك» فى «عمان» جنوبى شرقى بلاد العرب،
و «الأسود العنسى» فى «اليمن». وكل أولئك ظهروا فى أواخر
حياة النبى - صلى الله عليه وسلم -، لكنه لم يحفل بهم كثيرًا؛
لثقته بالقدرة على القضاء على تلك الحركات، وفى الوقت نفسه
أمر بإنفاذ جيش «أسامة بن زيد» إلى جنوب «الشام»؛ لتأديب
القبائل القاطنة هناك، التى تعادى المسلمين، ولتثبيت هيبة
الإسلام فى أعين الروم، التى فرضها عليهم فى غزوة «تبوك»،
وللفت أنظار أصحابه إلى خطورة دولة الروم على الإسلام، لكن
هذا الجيش لم يذهب لأداء مهمته؛ لمرض النبى - صلى الله عليه
وسلم - ووفاته، فكان أول قرار للصديق، هو تنفيذ ما عزم عليه
الرسول - صلى الله عليه وسلم -. لكن الصحابة جميعًا عارضوا «أبا
بكر» فى قراره بإرسال جيش «أسامة»، وتعللوا بأن الردة قد
عمت شبه جزيرة العرب، وأن الخطر داهم ومحدق بهم، حتى لم
تسلم منه «المدينة» نفسها، واشرأبت أعناق أعداء الإسلام من
يهود ونصارى وغيرهما، وتحفزوا للقضاء على الإسلام، ولذا
فإن بقاء الجيش فى «المدينة» ضرورة ملحة؛ لحمايتها من
الأخطار المحدقة بها. لكن ذلك كله لم يثن عزيمة الصديق عن
إرسال جيش «أسامة»، ووقف كالأسد الهصور يذود عن الإسلام