للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يختار المسلمون خليفتهم بأنفسهم دون قيد، وبإرادتهم الحرة بلا

تدخل، فقال لهم وهو على فراش المرض: «إنى قد نزل بى ما

ترون، ولا أظننى إلا ميتًا لما بى من المرض، وقد أطلق الله

أيمانكم من بيعتى، وحلَّ عنكم عقدتى، ورد عليكم أمركم،

فأمروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمّرتم فى حياة منى كان

أجدر ألا تختلفوا بعدى». لكنهم طلبوا منه أن يرشح لهم من يراه

أهلا لتولى الخلافة بعده، وأقدر على تحمل تبعاتها الجسام،

فقبل ذلك، وطلب منهم مهلة حتى ينظر لله ولدينه ولعباده، وبعد

تفكير عميق، واستشارة لكبار الصحابة مثل: «عثمان بن عفان»

و «على بن أبى طالب» و «عبدالرحمن بن عوف» استقر رأيه على

«عمر بن الخطاب». ولم يكن ترشيح كبار الصحابة «عمر بن

الخطاب» للخلافة وتزكيتهم له، بعد «أبى بكر» غريبًا أو

مفاجأة، فهم يعرفون قدره ومنزلته، وقد سبق أن ذكرنا تقديم

النبى - صلى الله عليه وسلم - «أبا بكر» ليؤم الناس فى الصلاة،

ورفضه أن يقوم بهذا «عمر بن الخطاب»، فلما تأخر «أبو بكر»

يومًا عن الصلاة، قدَّم «بلال» «عمر بن الخطاب» اجتهادًا منه ليؤم

الناس، فلما سمع الرسول «عمر» يقيم الصلاة رفض ذلك، وقال

«أين أبو بكر؛ يأبى الله ذلك والمسلمون». وعلى الرغم من ذلك

فإن هذا التصرف التلقائى من «بلال» يدل على أن الصحابة

كانوا يعلمون أن أفضل الناس بعد «أبى بكر الصديق» هو «عمر

بن الخطاب». ولم يعترض على ترشيح «عمر» للخلافة إلا عدد

قليل من كبار الصحابة، وعللوا ذلك بغلظته وشدته، لكن «أبا

بكر» طمأنهم وبين لهم أن ما يجدونه من شدته، إنما هو لله

وفى الله، وإنه يشتد لأنه يرانى أحيانًا لينًا، حتى يحدث نوعًا

من التعادل، وأنه لو أفضى الأمر - أى الخلافة - إليه لترك كثيرًا

مما هو فيه. ولا يقلل هذا الاعتراض من سداد رأى «أبى بكر»

فى «عمر»، ولا من شأن «عمر» نفسه، بل يدل ذلك على حرية

الرأى تجاه الشخصية التى ستلى أمر الخلافة، فلن يضير «عمر»

<<  <  ج: ص:  >  >>