للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيبقى كما كان: «على» يتصرف فى البلاد التى تحت حكمه

(وهى كل الدولة الإسلامية عدا الشام) و «معاوية» يتصرف فى

البلاد التى تحت حكمه (الشام). اجتهد الحكمان فيما توصلا إليه،

وأعلناه على الناس، غير أن «عليًّا» - رضى الله عنه - لم يقبل

تلك النتيجة، واعتبر الحكمين قد تجاوزا حدودهما؛ لأن الخلاف لم

يكن على منصب الخلافة، وإنما على إقامة الحد على قتلة

«عثمان»، وبيعة «معاوية» له، أيهما يسبق الآخر، ولذلك عدَّ

نفسه فى حل من هذه النتيجة، فعادت الأمور إلى ما كانت عليه

قبل التحكيم، أى إلى حالة الحرب. حاول «على» أن يدعو

أنصاره إلى حرب «معاوية» من جديد لكنهم كانوا قد ملوا

القتال، وتقاعسوا عنه، بل إنهم انقسموا إلى «شيعة» وافقوه

على ماصنع «وخوارج» اعتبروا التحكيم كان خاطئًا من أساسه،

مع أنهم هم الذين فرضوه عليه، ثم تجاوزوا ذلك إلى ما هو أكثر

تطرفًا، فاتهموا «عليًّا» بالكفر، لأنه حكَّم الرجال فى القرآن،

وصاغوا شعارًا أخذوا يرددونه «الحكم لله لا لك يا على»، وكان

هو يقول لهم: «كلمة حق أريد بها باطل»، وطالبوه بأن يعلن

كفره، ويتوب ويسلم من جديد، حتى يعودوا إليه ويقاتلوا معه،

فإذا لم يفعل فسوف يقاتلونه. ولا يمكن لمسلم أن يتصور كيف

يُكفَّر رجل من صحابة رسول الله المبشرين بالجنة، وممن رضى

الله عنهم تحت الشجرة فى «بيعة الرضوان»، وإزاء هذا التطرف

من «الخوارج» اضطر الإمام أن يحاربهم فى معركة شهيرة

تُسمى معركة «النهروان» بالقرب من «الكوفة»، وبعدها لم

يستطع أن يجمع شمل أنصاره لقتال «معاوية» من جديد كما

كان يريد، بل أجبرته الظروف على التفاهم والاتفاق معه. بعد

انقسام جبهة «على» إلى «شيعة» و «خوارج» ازداد موقفه

ضعفًا؛ لأن صراعه مع «الخوارج» كبده متاعب جسيمة، وفى

الوقت نفسه كان موقف «معاوية» يزداد قوة، وبخاصة بعد أن

استطاع الاستيلاء على «مصر» سنة (٣٨هـ)، بجيش قاده فاتحها

<<  <  ج: ص:  >  >>