«أبا بكر» بما هم فيه، وطلبوا المدد منه، فرأى أنه لن ينقذ
الموقف فى الشام سوى «خالد بن الوليد»، وقال عبارته
المشهورة: «والله لأُنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن
الوليد»، ثم كتب رسالة إليه: «أما بعد فإذا جاءك كتابى هذا،
فدع العراق، وخلف فيه أهله الذين قدمت عليهم وهم فيه وامضِ
متخففًا فى أهل القوة من أصحابك الذين قدموا العراق معك من
اليمامة، وصحبوك من الطريق، وقدموا عليك من الحجاز، حتى
تأتى الشام، فتلقى أبا عبيدة بن الجراح ومن معه من المسلمين،
فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة والسلام عليك». امتثل «خالد»
لأوامر الخليفة، وسار من «العراق» فى سبعة آلاف جندى فى
واحدة من أجرأ المسيرات العسكرية فى التاريخ وأكثرها خطرًا،
حيث قطعوا أكثر من ألف كيلو متر فى ثمانية عشر يومًا، فى
صحراء قاحلة مهلكة، حتى وصلوا إلى «وادى اليرموك» فتسلم
«خالد بن الوليد» القيادة من «أبى عبيدة» وخاض معركة مع
الروم تُعد من أعظم المعارك وأبعدها أثرًا فى حركة الفتح
الإسلامى، وسحق جيش الروم الذى كان يعد يومئذٍ أقوى جيوش
العالم. بعد تولى «عمر بن الخطاب» الخلافة عزل «خالد بن
الوليد» من قيادة جيوش الشام، وأعاد «أبا عبيدة بن الجراح»
إليها، وجعل «خالداً» تحت قيادته، وقد قبل القائد البطل هذا
التعديل دون تذمر، لأنه كان جنديًا يعمل للإسلام لا لمجده
الشخصى، وإذا كان قد احتل المكان الأعلى بين قادة الفتوحات
ببطولاته وانتصاراته، فإنه اعتلى ذروة أعلى بقبوله العزل،
وضرب أروع الأمثلة فى الانضباط والطاعة، وتلك أهم صفات
القادة العظام. وكانت تعليمات «عمر» لأبى عبيدة بعد
«اليرموك»، أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل فى مطلع
فتح الشام، حين رتب ذلك «أبو بكر الصديق»، فيسير «أبو
عبيدة» ومعه «خالد بن الوليد» إلى «حمص»، و «يزيد بن أبى
سفيان» إلى «دمشق»، و «شرحبيل بن حسنة» إلى «الأردن»،