أيام «عمرو»، واكتسب خبرة كبيرة، فواصل فتوحاته فى هذه
الجبهة. ولما رأى «عقبة» اتساع الميدان، وبعد خطوط مواصلاته
عن قواعده فى «مصر»، شرع فى بناء مدينة تكون قاعدة
للجيش، ومركزًا لانطلاقاته وإمداداته، فبنى مدينة «القيروان»
(٥٠ - ٥٥هـ) بإذن من «معاوية»، وكان لهذه المدينة شأن عظيم
فى الفتوحات وفى الحركة العلمية، وأثناء تأسيسها كان
«عقبة» يرسل السرايا للفتح، ويدعو الناس إلى الإسلام، فدخل
كثير من «البربر» -سكان البلاد- فى الإسلام. ظل «عقبة بن
نافع» يواصل فتوحاته ونشر الإسلام حتى عزله «معاوية» وولَّى
مكانه قائدًا آخر، لا يقل عنه شجاعة وإقدامًا، وحبا للجهاد فى
سبيل الله، هو «أبو المهاجر دينار»، وكان يتمتع إلى جانب
مهارته العسكرية بقدر من الكياسة وحسن التصرف والفطنة، فقد
أدرك أن «البربر» سكان الشمال الإفريقى قوم أشداء، يعتدُّون
بكرامتهم ويحرصون على حريتهم كالعرب تمامًا، وأن سياسة
اللين والتسامح قد تجدى معهم أكثر من سياسة الشدة. وقد
نجحت سياسة «أبى المهاجر» فى اجتذاب البربر إلى الإسلام،
وبخاصة عندما أظهر تسامحًا كبيرًا مع زعيمهم «كسيلة بن
لمزم»، وعامله فى إجلال وإكرام، فأسلم الرجل متأثرًا بتلك
المعاملة، وأسلم بإسلامه طائفة كبيرة من قومه. وفى مقابل
تلك السياسة المتسامحة مع «البربر» كان «عقبة» حازمًا فى
تعامله مع الدولة البيزنطية التى حاولت أن تحتفظ بالشمال
الإفريقى بعد أن فقدت «مصر» والشام، لكنها لم تنجح، فقد
حقق «أبو المهاجر» نصرًا عسكريا عليها، مكَّنه من السير إلى
الغرب، فاتحًا معظم «المغرب الأوسط» - الجزائر الحالية - ووصل
إلى «تلمسان». أعاد الخليفة «يزيدُ بن معاوية» «عقبةَ بن نافع»
مرة أخرى إلى «شمالى إفريقيا»، فواصل جهود «أبى
المهاجر»، وقام بحملته التى اخترق بها الساحل كله فى شجاعة
وجرأة حتى بلغ شاطئ «المحيط الأطلسى»، وأوطأ أقدام