فرسه فى مياهه، وقال قولته المشهورة: «اللهم اشهد أنى قد
بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت فى البلاد، أقاتل من كفر
بك حتى لا يعبد أحدًا دونك». وفى أثناء عودة «عقبة» من
غزوته المظفرة تعرض لكمين نصبه له البيزنطيون بمساعدة
«كسيلة» زعيم «البربر»، الذى كان «عقبة» قد أهانه، فبينما
هو يسير فى عدد قليل من جنوده يبلغ زهاء ثلاثمائة جندى
انقضت القوات البيزنطية عليه وعلى من معه عند بلدة تهودة
فاستشهدوا جميعًا سنة (٦٣هـ). ومما أسهم فى وقوع الكارثة
أن «عقبة» قد وقع فى خطأ عسكرى كبير، إذ سرَّح معظم
جيشه، وأمرهم بالسير أمامه، فابتعد عنه لمسافة طويلة، مما
جعل الجيش البيزنطى ينفرد به ويهزمه هزيمة ثقيلة أضاعت كل
الجهود التى بذلها المسلمون فى فتح تلك البلاد، واضطر
المسلمون إلى الارتداد إلى الخلف، ولم يستطيعوا الاحتفاظ
بالقيروان، وعادوا إلى «برقة». تسلَّم «زهير بن قيس البلوى»
قيادة الجيش خلفًا لعقبة بن نافع سنة (٦٣هـ)، وعزم على الثأر
من البيزنطيين و «البربر»، لكنه لم يستطع أن يحقق هدفه إلا فى
سنة (٦٩هـ)، نظرًا لانشغال الدولة الأموية بالأحداث والفتن
الخطيرة التى حدثت فى الداخل بعد وفاة «يزيد بن معاوية» سنة
(٦٤هـ). تحرّك «زهير» بجيش كبير وزحف على «القيروان» سنة
(٦٩هـ)، والتقى على مقربة منها بجيش «كسيلة»، فهزم «البربر»
هزيمة ساحقة بعد معركة شديدة وفى أثناء عودته إلى «برقة»
للدفاع عنها - بعد ما نمى إلى علمه أن البيزنطيين زحفوا عليها
فى جموع عظيمة - تعرض لهجوم بيزنطى مفاجئ، فلقى حتفه
هو ومن معه. وصلت أخبار استشهاد «زهير» ومن معه إلى
الخليفة «عبدالملك بن مروان» وهو مشغول بصراعه مع الخوارج
والشيعة وآل الزبير، فلم يتمكن من القيام بعمل حاسم إلا بعد أن
استقرت له الأوضاع، فأسند قيادة جبهة الشمال الإفريقى إلى
«حسان بن النعمان» وأمده بجيش كبير من «مصر» والشام، بلغ