العلم، لأن مناصب الدولة ووظائفها كانت مقصورة على المتعلمين
والمثقفين. وأصبحت «مراكش» تضاهى «بغداد» فى ازدهار
العلوم وكثرة العلماء وشاركتها مدينة «فاس» التى أسسها
«إدريس بن عبدالله» فى المكانة، وظل مسجدها الكبير (جامع
القرويين) مركز إشعاع علمى يقصده طلاب العلم من كل مكان.
أسهمت الروح الدينية التى سادت «بلاد المغرب» منذ قيام «دولة
المرابطين» فى ازدهار العلوم الشرعية؛ مثل: علوم التفسير
والحديث والفقه والكلام، ووفود كثير من علماء الأندلس على
مراكش وغيرها فأسهموا فى دفع حركة التأليف، وشاركهم
أبناء المغرب الذين أقبلوا على الدراسة والبحث فى دفع هذه
الحركة، فنبغ عدد كبير من العلماء. وعنى المغاربة بكتاب
«الوجيز» فى التفسير لعبدالحق بن غالب بن عطية المحاربى،
المتوفى فى سنة (٥٤١هـ= ١١٤٦م)؛ حيث جمع فيه «ابن غالب»
خلاصة التفاسير كلها، وتحرَّى منها ما هو أقرب إلى الصحة.
ونال علم الحديث عناية فائقة من ولاة الأمر، وكان «موطأ»
الإمام «مالك» مدار الدراسات فى الدولة، وكذلك نشط علم الفقه،
ولم ينل علم الكلام الرعاية والعناية خلال حكم المرابطين، لأنهم
نهجوا طريق السلف، ولم يميلوا إلى الخوض فى هذا العلم. ازدهر
الأدب بنوعيه الشعر والنثر فى هذه الفترة باعتباره مظهرًا من
مظاهر الحركة الفكرية بالبلاد، وحظى الأدباء برعاية الولاة،
وكان بالبلاط المرابطى بعض كبار الكتاب والأدباء الأندلسيين،
أمثال: «أبى القاسم بن الجد»، و «ابن القبطرنة»، و «أبى
عبدالله بن أبى الخصال»، و «ابن خلدون» وغيرهم. وقد أثر
المذهب المالكى وعلماؤه وفقهاؤه فى توجيه الأدب المغربى
وجهة تميزت بالبساطة والوضوح، وبعدت عن الزخرف والصنعة
وبعدته عن تناول بعض الأغراض التى تناولها أدباء المشرق مثل:
«الخمريات»، التى تتنافى مع الجو الدينى الذى ساد البلاد. كثر
عدد المكتبات التى ازدحمت بالمؤلفات فى عهد المرابطين، نظرًا