بين هذه الدولة وهذه القوى بين شَد وجذب، فتارة يخضع «بنو
زيان» للنفوذ الموحدى والمرينى والحفصى، وتارة ينعمون
باستقلالهم، وأخرى يمتد فيها نفوذهم إلى بعض مناطق
المغربين الأدنى والأقصى. ولقد وقف «بنو زيان» فى بداية الأمر
فى وجه الزحف الموحدى، إلا أن الموحدين تمكنوا من إخضاعهم
والسيطرة على «المغرب الأوسط»، ودخل «بنو زيان» فى تبعية
الموحدين، فلما قويت شوكة «بنى زيان» كانت «دولة
الموحدين» فى مرحلة الضعف والانهيار، فبدأ الموحدون
يتوددون إليهم ويهادنونهم، فخشى الحفصيون من هذا التحالف،
وتوجهوا إلى «تلمسان» واستولوا عليها فى سنة (٦٤٠هـ=
١٢٤٢م) بمساعدة بعض قبائل «المغرب الأوسط»، واشترطوا
لعودة «بنى زيان» إلى الحكم أن يخلعوا طاعة الموحدين
ويعلنوا تبعيتهم للحفصيين، فقبل «بنو زيان» ذلك، وعادوا إلى
حكم «تلمسان». ولكن الموحدين لم يعجبهم هذا الوضع وحشدوا
جيوشهم وحاصروا «تلمسان»، فأعلن «بنو زيان» طاعتهم لهم،
وساعدوهم فى صراعهم مع المرينيين على الرغم من العلاقات
المتوترة بينهما، وظل هذا شأنهما حتى سقوط «دولة الموحدين»
فى سنة (٦٦٨هـ= ١٢٦٩م). أما علاقة «بنى زيان» بالحفصيين،
فكانت علاقة عداء؛ نظرًا لتضارب مصالح الدولتين، حيث رغبت
كل منهما فى التوسع على حساب الأخرى. وقد بدأت هذه
العلاقات باستيلاء الحفصيين على «تلمسان» فى سنة (٦٤٠هـ=
١٢٤٢م)، ثم بدأت بينهما المفاوضات، وعاد «يغمراس» إلى
عاصمته «تلمسان» وأعلن تبعيته للحفصيين، ولكن «بنى زيان»
لم يرضوا بهذه التبعية وأعلنوا استقلالهم عن هذه التبعية فى
عهد «المتوكل الزيانى» فى سنة (٨٦٨هـ= ١٤٦٤م)، ومن ثم
حاصرتهم جيوش الحفصيين فى «تلمسان» فى سنة (٨٧١هـ=
١٤٦٦م)، وهدموا أسوارها، وأجبروهم على إعلان الطاعة
والتبعية للحفصيين ثانية. وقد عمد الحفصيون إلى إحداث الفُرقة،
وإشعال الفتنة بين أفراد البيت الزيانى، حتى يتسنى لهم إحكام