عميقة، ذلك أن دعاة المرابطين نشروا الإسلام فى المنطقة
الواقعة بين «السنغال» و «النيجر» وعلى ضفاف «السنغال»،
وتمخض ذلك عن إسلام شعب «التكرور» الذى عمل بدوره على
متابعة الدعوة إلى هذا الدين الحنيف بين قبائل «الولوف»
و «الفولبة» (الفولانى) و «المندنجو». وفى ركاب المرابطين دخلت
الثقافة الإسلامية متدفقة من مدارس «المغرب» و «الأندلس»، فقد
وحَّد المرابطون بين «السودان الغربى» و «المغرب» و «الأندلس»
فى دولة واحدة. وفى عهدهم تم تأسيس مدينة «تمبكت» التى
أصبحت حاضرة الثقافة العربية فى غربى «السودان» وقد
أسَّسها قوم من طوارق «مقشرن» فى آخر القرن الخامس
الهجرى، وأصبحت سوقًا مهمة يؤمُّها الرحالة ويَفِدُ إليها التجار
من «مَرَّاكُش» و «السودان». وسرعان ما اقتفى العلماء أثر التجار
فوفدوا إليها من «المغرب الأقصى» و «الأندلس»، بل ومن «مصر»
و «توات» و «تافللت» و «فاس» وغيرها، وأصبح مسجدها الجامع
الذى يسمى مسجد «سنكرى» جامعة إسلامية زاهرة فى هذه
البقعة النائية، وامتدَّ الإسلام إلى مدينة أخرى كان لها ما لتمبكت
من أثر فى تاريخ الإسلام والثقافة العربية، وهى مدينة «جنى»
التى أسلم أهلها آخر القرن الخامس الهجرى، وأمَّها الفقهاءُ
والعلماءُ، كما انتشرت اللغة العربية بين كثير من أهالى دولة
«غانة» الإسلامية، وأصبحت لغة العبادة والثقافة الوحيدة بالبلاد
بجانب كونها لغة التجارة والمعاملات. انتهى هذا الدور بانتشار
الإسلام فى بلاد «السودان الغربى» على نطاق واسع، وبتوطُّن
الثقافة العربية فى مركزين مشهورين فى «تمبكت» و «جنى»،
وبسقوط مملكة «غانة» الإسلامية على يد «الصوصو»، وورثتها
مملكة «مالى» الناشئة، وبدأ دور جديد يمكن أن نسميه دور
الازدهار فى تاريخ الدول والممالك الإسلامية التى قامت فى
غرب إفريقيا فى العصور الوسطى. وفى هذا الدور انتقلت
السلطة إلى أهل البلاد الأصليين الذين دخلوا الإسلام وتشربوا من