لكن واقعة «تونديبى» لم تكن نصرًا للمغرب إلا من الناحية
العسكرية؛ إذ إنهم لم يحققوا الأغراض التى قاتلوا من أجلها،
وهى السيطرة على مناجم الذهب فى غرب إفريقيا، لأن ثروة
«صنغى» لم تكن نتيجة امتلاكها الذهب بقدر ما كانت نتيجة
لسيطرتها على تجارته مع مواطن إنتاجه، فى «وانجارة»
و «يندوكو» و «أشنتى»، وكلها فى جنوب مملكة «صنغى»،
وهى تجارة لا تزدهر إلا فى ظل الأمن والسلام الذى قضى عليه
سلاطين «مراكش»، الذين لم يستطيعوا أن يمدوا نفوذهم إلى ما
وراء المدن الرئيسية «جنى» و «تمبكت» و «جاو»، ولما أدركوا
قلة الفوائد التى عادت عليهم من وراء هذا الفتح الذى كلفهم
كثيرًا، كفُّوا عن إرسال الجند والمئونة اللازمة إلى قواتهم،
وتركوا هذه القوات تقرر مصيرها بنفسها، فنشأت أسرة محلية
من باشوات «تمبكت» تدين بالتبعية الاسمية لسلطان «مراكش»،
وتعتمد على عنصر خليط من البربر وأهل البلاد، أو المولدين
الذين سموا باسم «أرما». وكان همُّ هؤلاء الباشوات منصرفًا إلى
جمع المال وحمل الزعماء المحليين على دفع الإتاوة على أن
سلطانهم ضعف تدريجيًا لاعتمادهم على الجيش الذى كان يعزلهم
متى شاء، حتى بلغ عدد من تولى منهم بين سنتى
(١٠٧٠هـ=١٦٦٠م) و (١١٦٣هـ= ١٧٥٠م) نحو (١٢٨) باشا، ولما
ضعفت قوة الجيش نفسه اضطر الباشوات منذ عام (١٠٨١هـ =
١٦٧٠م) إلى دفع الإتاوة إلى الحكام الوثنيين من ملوك
«البمبارا»، وهم ملوك مملكة «سيجو» الوثنية، التى كانت تقع
على وادى نهر «بانى» جنوبى «كانجابا» فى حوض «النيجر».
وظل الأمر على هذا النحو حتى جاء الفرنسيون والتهموا المنطقة
بأسرها، وسموها «إفريقية الاستوائية الفرنسية». وبعد نجاح
حركة الكفاح الوطنى ضد الاستعمار الفرنسى والإنجليزى؛
ظهرت عدة دول إسلامية حديثة على أنقاض إمبراطورية
«صنغى» الإسلامية، وهذه الدول هى: «جمهورية موريتانيا،
و «جمهورية غينيا»، و «جمهورية مالى»، و «جمهورية السنغال»،