زيار) (٨)، فتعاظم بذلك نفوذ «عضد الدولة» وذاع صيته وتمكنت
هيبته، وكان أول من خوطب بشاهنشاه فى الإسلام، وأول من
خُطب له على منابر «بغداد» بعد الخلفاء. وقد كان لعضد الدولة
إنجازات حضارية بالإضافة إلى أمجاده الحربية، فبعد دخوله
«بغداد» بدأ فى عمارتها، كما أمر بإخراج أموال الصدقات
وتسليمها للقضاة وأعيان الناس، لإعانة من يستحق، وبدفع
أموال للعاطلين الذين يتعذر عليهم الحصول على العمل، بما
يكفى احتياجاتهم، ثم يردونها بعد ذلك إذا عملوا. كما اهتم
«عضد الدولة» بالعلم والعلماء، وأغدق عليهم العطاء وأحاطهم
بمظاهر التكريم، وقد كان مجلسه منتدى للعلماء، تدور فيه
المناقشات الدقيقة فى فروع العلم المختلفة، وكان يشترك مع
العلماء فى هذه المناقشات ويعارضهم فى المسائل، ومن أبرز
هؤلاء العلماء «أبو على الفارسى» الذى صنَّف له كتاب
«الإيضاح» و «التكملة» فى النحو، وكان «عضد الدولة» يقول:
«أنا غلام أبى على فى النحو»، ومنهم أيضًا «أبو إسحاق
الصابى» الذى صنف لعضد الدولة كتاب «التاجى فى أخبار بنى
بويه». وكان «عضد الدولة» يحب الشعر ويطرب له، ويقرضه
أحيانًا، ويغمر الشعراء بفيض كرمه وجزيل عطائه، فقصده عدد
من فحول الشعراء فى عصره، وكتبوا فيه أروع قصائد المديح،
وفى مقدمتهم «أبو الطيب المتنبى» سنة (٣٥٤هـ= ٩٦٥م)، و «أبو
الحسن محمد بن عبدالله السَّلامى أبرز شعراء «العراق»، وكان
«عضد الدولة» يقول: «إذا رأيت السَّلامى فى مجلسى ظننت أن
عطارد قد نزل من الفَلك إلىَّ ووقف بين يدى». وقد اقتدى
«مؤيد الدولة» و «فخر الدولة» بأخيهما «عضد الدولة» فى
تشجيع العلم وإكرام أهله، فعين «مؤيد الدولة» «الصاحبَ بن
عباد» وزيرًا له سنة (٣٦٦هـ= ٩٧٦م)، وكان من أعظم رعاة العلم
والأدب، وعقب وفاة «مؤيد الدولة» واستيلاء أخيه «فخر الدولة»
على مملكته أقر «الصاحب بن عباد» على وزارته، وعين مفكر