بعض القدامى من وزراء بنى أمية، بيد أن الخليفة الجديد استفتح
عهده بإلقاء القبض على عدد من الزعماء والأكابر، واستقبل
فرسان البربر وأحسن وفادتهم، فهاجت العامة وامتلئوا غيظًا،
وهجموا على القصر وقتلوا كل من صادفهم، أما عبدالرحمن فقد
اختفى وظهر ابن عمه «محمد بن عبدالرحمن بن عبيدالله بن
الناصر» وبويع بالخلافة وتلقب بالمستكفى بالله، وأتى
بعبدالرحمن المستظهر وقتله فى (٣من ذى القعدة سنة ٤١٤هـ =
١٧ من يناير سنة ١٠٢٤م). كان المستكفى سيئ التدبير ميالا إلى
البطالة والمجون، وفى عهده تهدمت القصور الناصرية، وأتى
على مدينة الزاهرة من أساسها، واضطهد معظم البارزين من
الساسة والمفكرين، فنادى جميعهم بخلعه واضطر إلى مغادرة
قرطبة فى زى امرأة، وتمكن بعض مرافقيه من قتله فى ضاحية
قرطبية. وجدير بالذكر أن محمد المستكفى هذا هو والد «ولادة»
الشاعرة المعروفة. رجعت الفوضى التى لا ضابط لها إلى قرطبة
وجاء إليها «يحيى ابن على ابن حمود»، و «خيران» و «زهير»
العامريان، وتم الاتفاق بين الجميع يقودهم أبو الحزم بن جهور
على تولية أموى، ووقع اختيارهم على «هشام بن محمد» الذى
بويع ولقب بالمعتد بالله، بيد أنه ألقى بمقاليد الأمور كلها إلى
رجل من المستبدين تولى وزارته اسمه «سعيد القزاز» بالغ فى
اضطهاد زعماء البيوت وإهانتهم وشغل الخليفة نفسه عن أمور
الحكم بشرابه ومجونه، وضاعت هيبة الخلافة تمامًا. ثم اضطر
القرطبيون الناقمون إلى الفتك بالوزير «سعيد» فى (ذى القعدة
٤٢٢هـ = نوفمبر ١٠٣١م)، ثم ساروا إلى القصر يتزعمهم «أمية
بن عبدالرحمن العراقى» من أحفاد «الناصر» ونهبوا أجنحة
القصر. وانتهى الأمر باتفاق رأى الناس جميعًا بزعامة أبى الحزم
بن جهور على التخلص من بنى أمية، وإبطال رسوم الخلافة
كلها، وإجلاء كل الأمويين عن مدينة قرطبة، فليس هناك من
يستحق الخلافة، وينبغى أن يتحول الحكم إلى شورى بأيدى